ما إن طويت صفحة الخلاف بيننا وبين الحكومة المصرية بشأن قضية الجيزاوي حتى صرح نائب المرشد العام للإخوان خيرت الشاطر متهماً المملكة بأنها عرضت أربعة مليارات دولار على المجلس العسكري ثمناً لإطلاق الرئيس السابق حسني مبارك من السجن، ما جعل سفير المملكة في القاهرة ينفي هذا الخبر جملة وتفصيلا، ويُندد بمحاولات الشاطر تأزيم العلاقات السعودية المصرية.
الشاطر لا يُمثل نفسه، وإنما يُمثل جماعة الإخوان المسلمين، التي هي الآن تشكل الأغلبية في مجلس الشعب، وتنافس على منصب رئيس الجمهورية من خلال أحد منسوبيها بعد أن أقصت المحكمة الدستورية خيرت الشاطر نفسه من الترشح بسبب أن عليه أحكاماً في قضايا سابقة لم تسقط عنه بعد، والقانون هناك لا يسمح لأصحاب السوابق بالترشح للسباق على رئاسة الجمهورية.
تصريح الشاطر لم يكن عفوياً، ولم يكن كذلك فردياً، وإنما كان نابعاً من موقف حزبي مدروس ومختار بعناية؛ فاختيار هذا الوقت بالذات يؤكد أن وراء هذا التصريح موقفاً ابتزازياً واضحاً من قبل الإخوان للضغط على المملكة لإنقاذ مصر ما بعد مبارك من شفير الإفلاس الذي تسير إليه بخطى حثيثة؛ فالمملكة هي من أطلق الدعوة إلى انتقال دول التعاون الخليجي من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد لمواجهة المتغيرات في منطقة الخليج، وعلى رأسها الغول الإيراني المتربص باستقرارنا؛ واتحاد الدول الخليجية تتبناه المملكة كخيار استراتيجي كما هو معروف؛ ويبدو أن الاخوان من خلال تصريح نائب المرشد العام في هذا الوقت بالذات أرادوا أن يلمحوا إلى إمكانية اختلاق مشكلة ذات بعد شعبي تبعد مصر عن دول الخليج، وتجعلها أقرب إلى خدمة محور العدو الفارسي؛ خاصة وأن مثل هذه المواقف تنسجم مع مواقف سابقة للإخوان من احتلال صدام للكويت، وموقف مشابه- أيضاً - عندما تسلل مجموعة من الحوثيين إلى حدود المملكة الجنوبية، فجاءت المواقف الرسمية المعلنة للإخوان تُحَمِّل المملكة جزءاً من المسؤولية تجاه الموقف الحازم الذي اتخذته من محاولات الحوثيين إقحامنا في مشاكل اليمن الداخلية.
وغني عن القول إن موقف الإخوان أثار آنذاك كثيراً من الاستياء لدى السعوديين حكومة وشعباً، إضافة إلى أن الحوثيين يعملون لمصلحة إيران في اليمن، تماماً مثلما أن حزب الله في لبنان يعمل لمصلحة ايران في لبنان، ومعروف أن الإخوان وحزب الله على علاقة تحالفية وطيدة قد ترتقي إلى مستوى التحالف.
مثل هذه المواقف، وغيرها من المواقف، تؤكد أن الإخوان المسلمين جماعة تتربص بنا، وتنتهز الفرص لتوظيف المتغيرات والأحداث لما يصب في مصالحهم، والتي هي ومصالحنا في أحيان كثيرة على طرفي نقيض؛ وخطورتهم تكمن في أن مجموعة من (حثالاتهم) تعيش بيننا، وتعمل كطابور خامس لهم، رغم أن بعض المحسوبين عليهم من السعوديين بدؤوا مؤخراً يتبرؤون منهم؛ ولا أدري: هل هذا التبرؤ هو من باب التمويه، أم أنهم اكتشفوا أخيراً حقيقتهم فتركوهم وانضموا إلى أوطانهم؟.
بقي أن أقول: إن هذه الجماعة قد يكون لها خبرة في العمل الاجتماعي والإغاثي، أما السياسة، والعلاقات الدولية، وحساباتها، ومواقفها، فهم أبعد ما يكونون عنها؛ وليس أدل على ذلك من تصريح الشاطر هذا، وقبله موقفهم الذي يندى له الجبين من غزو صدام للكويت، وكذلك موقفهم (المُخجل) من تسلل الحوثيين إلى المملكة؛ وسيرى المصريون كيف ستكون أوضاع بلادهم عندما يتولى الإخوان قيادتها؛ والأيام بيننا؛ المهم ألا نرضخ للابتزاز، وتوظيف (الفزاعة) الإيرانية لاستنزافنا مالياً؛ فتوقيت تصريح الشاطر كان مقصوداً بلا شك.
إلى اللقاء.