الكاريزما كلمة تعني سِحْر وجاذبية الشخصية، وقدرتها على التأثير في الناس وقيادتهم. والشخص ذو الكاريزما العالية يتمتع بقدر كبير من الذكاء الوجداني والذكاء الاجتماعي، ويمتلك القدرة على تحريك مشاعر الجماهير وإقناعهم بما يريده من خلال اللعب على وتر المشاعر الوطنية أو الدينية أو غيرها. والشخصية الكاريزمية تعطي للناس شعوراً بالقيمة والكرامة والشرف، وترفع من سقف طموحاتهم الشخصية والوطنية، وتحفزهم للحركة والصعود. وقد يكون هذا كله حقيقياً أو زائفاً، لكنه في الحالتين يكون مؤثراً.
والكاريزما المطلوبة للشخصيات الإعلامية بشكل دائم عند الحديث عن معاناة الناس أو مطالباتهم هي الكاريزما المهنية الاحترافية غير الطاغية؛ فالناس تتوقع إعلامياً كاريزمياً ملهماً يسبر أغوار ضيوفه لتبيان حقائق لها علاقة بمصالحهم من أجل العمل على إصلاحها وتلافي ما قد يحصل من مشكلات معيقة.
على الإعلامي الذي يحمل لواء الدفاع عن حقوق الناس من خلال برامجه الحوارية أن يعي جيداً أن الإعلام بالنسبة له رسالة يحملها على عاتقه لنقل الحقائق والوقائع، وتثقيف العامة، والوصول بهم إلى حقيقة المشكلة، وحث المسؤول الضيف على تقديم الحلول، وليس لنقل رسائل فقط.
عليه أن يتمتع بأقصى درجات الاحترافية وتحري الدقة بعيداً عن التهويل والتدليس؛ حتى يتمتع ببعض المصداقية لدى من يحمل همومهم؛ فالناس لم تعد تتحمل المزيد من الأكاذيب أو التدليس، ومن يفقدون الثقة فيه مرة من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يثقوا فيه مرة أخرى؛ فالمحاور الذي يلتزم بالمبادئ والحياد، وألا يكون رجلاً آلياً تسيّره الرغبة في الظهور والانتشار على حساب معاناة وهموم الناس، هو الإعلامي الذي بلا شك سينال احترام وتقدير الجميع، مواطناً ومسؤولاً.
المحاورة فن لا يجيده إلا القلة، فليس من هذا الفن ادعاء المعرفة وفرضها على من تتم محاورته، وليس منها الإقلال من شأن من تتم مساءلته، وليس منها الإنقاص من احترام الضيف.
نعلم أن المحاور يجب أن يتمتع بشخصية منطقية، تلك الشخصية التي تثير الاحترام في كل مكان وبأي زمان، وضريبة صاحبها أنه يفتقد حب الآخرين؛ وذلك لدقتها المفرطة وعقلانيتها التي قد تجلب الضيق في بعض الأحيان، شخصية يتمتع صاحبها بثقافة واسعة وحنكة باهرة، وقبل ذلك خلق رفيع وتواضع جم، وأن تكون لديه مهارات المحاور ومهنية واحترافية الإعلامي، وفوق ذلك إدراك مفهوم ومعنى حَمْل الأمانة الإعلامية.
ذلك ما نجده في كثير من الحالات عصياً على كثير من الإعلاميين المحاورين إلا من رحم ربي.
من أسهل الطرق للوصول إلى الشهرة حمل لواء الدفاع عن حقوق الناس، بأي شكل وعبر أي وسيلة، المهم أن تتطرق يعانيه العامة، وتبدأ رحلة الدفاع عنهم، وذلك حق مشروع لمن اختار ذلك، لكن ينبغي أن يتحلى بالخلق الرفيع الذي يجعله بالفعل أهلاً لحمل تلك الرسالة السامية، وألا يجعل ممن يستضيفهم - إن كان محاوراً في برنامج إذاعي أو تلفازي - مضحكة لمن يتابع، أو أن يُنقص من شأنهم ومن احترامهم لمجرد الوصول لغايته، فيقوم باجتزاء حديث الضيف وانتقاء ما يتماشى مع نظرية وضعها سلفاً وأراد لها التثبت فذلك يحقق له ما أراد من شهرة، ويصفق له من اصطف معه مسبقاً في رحلة تثبيت نظرية ما. أما الوصول لأسباب المشكلة والبحث عن حلول لها وتقديم مشروع نزيه يحقق الهدف من الحدث فذاك ما لا يهم الإعلامي ولا يأتي ضمن أولوياته على الإطلاق.
على الإعلامي الناجح الذي يحاور ضيفاً أن يرتِّب جدولاً للموضوعات الجزئية أو الفرعية التي ينبغي أن يدور حولها الحوار، وليكن هذا الترتيب منطقياً؛ إذ إن الحوار في نقطة قد يقتضي الاتفاق على مضمون نقطة قبلها. ويفضّل أن يكون هذا الجدول مكتوباً، ومتّفقاً عليه منذ البداية.
ولا مانع من استدراك نقاط اقتضاها الحوار، لم تكن ملحوظة في البداية.
عليه أن يحذر من وجود الرغبة في الغلبة الشخصية أو الطَّرَفيّة، عليه أن يحرص على الالتزام بموضوع الحوار، ويقلل من الاستطراد واللجج قدر الإمكان؛ فالاستطراد يحرف سير الحوار إلى طريق أخرى، وقد تبرز قضايا جانبية تقتضي حواراً مستقلاً ليست في صلب الموضوع، وتحتاج لنقاش؛ فعندها يمكن تسجيلها، ثم مناقشتها بعد الفراغ من النقاط التي هي موضوع الحوار، سواء تمّت المناقشة في نهاية اللقاء أو في لقاء آخر.
عليه أن يكون مستمعاً لبقاً، ينصت لضيفه حتى يشعره بالاهتمام، وحتى يستوعب كلامه جيداً؛ فالإنسان يندفع للثأر لنفسه إن هو شعر بقلة الاحترام، بل يصل الأمر إلى الانسحاب، والأسوأ اعتذار الآخرين عن عدم استضافة ذلك المحاور لهم مستقبلاً.
على المحاور أن يحذر الكلمات والعبارات التي تدل على انتصار لشخصه، وتعظيم لشأنه، وتحقير لضيفه، ووصمه بالجهل، والتشكيك بدوافعه..
إن من الخطأ الفادح أن يتعصّب المحاور لموقف تشوبه كثير من الملابسات، فيلتفت إلى بعضها ويلتفت ضيفه إلى بعض آخر، وقد تكون وجهة نظر ضيفه أعمق نفاذاً وطريقة طرحها أكثر تهذيباً واحتراماً.
إلى لقاء قادم إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com