لم أتفاجأ بطلب الشيخ د. صالح الحصين من خادم الحرمين الشريفين إعفاءه من منصبه الوزاري بسبب ظروفه الصحية، ومثله يفعل حين يرى أنه لا يستطيع أن يضطلع بشؤون منصبه بالصورة التي يرتضيها عن نفسه؛ لاستشعاره الأمانة وإدراكه مهام المسؤولية.
ولئن كان الشيخ - حفظه الله - يمثِّل صورة حقيقية من السّلف الصالح - ولا أزكِّي على الله أحداً - فإنّ طلبه الإعفاء يليق به ولا يُستغرب منه، برغم أنّ وظيفته برئاسة شؤون الحرمين الشريفين التي يتسنّمها تزيده شرفاً وهو شريف.
تربطني بالشيخ علاقة أبويّة منذ زمن، حيث رضيت بأبوّته الخالصة بعد رحيل والدي - رحمه الله - فهو (أبٌ عنه أتحجّب) حين أصبح أمامي وبين ناظري قدوة أحاول تمثُّل سلوكه وسماته بترفعه وسمْتِه وارتقائه عن صغائر الأمور، وحينما تخور عزيمة نفسي التوّاقة أذكِّرها برجل يعيش الحضارة وصخبها وتحدياتها، وبنفس الوقت يتمثّل أخلاق الصحابة في عيشه وفكره وزهده - حفظه الله -.
ولأنه رمزٌ حاضر بجسده وروحه بيننا؛ فإنني أدعو الجميع أن يدرس حياة الشيخ ويتأمّلها ويتمثّلها، ليخفف عن نفسه قلق الحياة وجزع النفس وطمعها غير المحدود.
ولمن لا يعرف الشيخ - وهو مقلٌّ في الظهور الإعلامي - فإنه مفكِّر إسلامي من الطراز الأول، ولديه حكمة تقصر عند الكثير في هذا العصر، وكأنه بحكمته ينظر من طرف خفي ويستشرف المستقبل. فأطروحاته الفكرية تتعب من يقرأها لعمقها، ولكنها ممتعة تمنح الانطلاق والتأمُّل في رحاب الحق الذي اختاره لنا ربنا، وسلكه نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم. ولو هيئ لأحدكم الاطلاع على أطروحاته الجزلة وما جمعه فيها من فكر، لأدرك أننا نملك إرثاً ثقافياً زاخراً بالعلم الذي يجعلنا نحيا الحياة الكريمة، والذي لو تمسّكنا به ولم نتبع سنن الآخرين؛ لأصبحت المعيشة رغداً من التفاؤل والأمل المتجدِّد، ولكننا ارتمينا في أحضان ثقافة وافدة على شريعتنا، فأحالت حياتنا عبثاً وطمعاً واستهلاكاً وجدلاً وصراعات لا تنتهي. وحين يكتب ذلك شخص عاش بيننا وطبّق ما يعتقده؛ فأنت حينئذ تدين له بالقبول وتذعن له بالاتباع دون التبعيّة.
إنّ التغيُّر الذي أحدثه الشيخ في حياتي، يجعلني أدعو كل محتار للنّهل من علمه ومقابلته ومصاحبته ما أمكن، فهو بحق علّامة في الدين والدنيا معاً، وقليل من يحمل الهمّ الوطني والدعوي الذي يحمله الشيخ لأمّته بصدق دون مداهنة ومزايدة، حتى ناء بها جسده النحيل وهو محتمل صابر مثابر في توعية الأمّة، محب وناصح لها لاسيما شجاعته بإجراء التغييرات الحديثة بالمسجد الحرام التي تخدم المسلمين وتوسع عليهم.
ومقالي هذا ما هو إلاّ ردّ جميل لرمز وطني وأمّة برجل وليس وزيراً، فارق منصبه ولم يفارق مكانته لدى وليّ الأمر الذي يدرك أنه غير طالب لدنيا ولا مركز وظيفي، فأحبّه لشخصه ونزاهته وأمانته ووثق به، ومكننا من معرفته حين عيّنه رئيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، بالإضافة لعضويته في هيئة كبار العلماء ورئاسة شؤون الحرمين، فعرفناه وأحببناه ونرجو السَّير على خطاه ما استطعنا.
حفظ الله شيخنا وألبسه ثوباً من الصحة لا يبلى، وأبقاه لنا معيناً ننهل منه فلا نروى.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny