من الأساليب الشائعة في اللغة العربية ما يُطلق عليه أسلوب المدح بما يشبه الذم، وأسلوب الذم بما يشبه المدح، وقد تُعَدّ قصيدة «احترامي للحرامي صاحب المجد العصامي» لسمو الأمير عبدالرحمن بن مساعد من هذه الأساليب، أو تدور في فلكها على الأقـل. ولا شك أن هذه القصية مثيرة، وتحاكي الأساليب الماكرة في النصب والاحتيال هذه الأيام، كما جاءت أيضاً إضافة إلى قصائد الأمير الرائعة، التي ترسخ في الأذهان، وتترك صدى في الوجدان كقصـيدة «جاكم الإعصار وخِّر عن طريقه».
وبالرغم من أن هذه القصيدة اقتصرت على أساليب اللصوص والمحتالين في مجال الوظيفـة كالمرتشين والمختلسين ومستغلي السلطة والنفوذ وغيرهم، إلا أنها تُعتبر مؤشراً إلى عموم النصب والاحتيال في جميع مجالات الحياة والاجتماعية والاقتصادية والتجارية وغيرها.
وأعتقد أن هناك سبباً في اقتصار هذه القصيدة على مجال الوظيفة، كأن يكون الشاعر قد مر بتجربة معينة، أو نما إلى علمه ما أثار قريحته، أو أن مجال الوظيفة أصبح مرتعاً خصباً لهذه الممارسات؛ فغرد بهذه القصيدة الرائعة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا التعبير لم يكن شائعاً في مجال الشعر والأدب فيما أعلم، ولا شك أنه يناسب أن يكون عنواناً لمسرحية أو مسلسلة تلفزيونية أو رواية أدبية أو قصة قصيرة ونحو ذلك، كما يمكن أن يكون مثلاً من الأمثال الدارجة التي تنطبق على بعض الأشخاص أو الحالات التي تحدث هنا أو هناك على مر الأيام والسنوات. وقد رأينا أن هذه الكلمات قد أثارت المشتغلين في مجال الفن والطرب؛ فقاموا بتلحينها وتقديمها إلى بعض الفنانين، الذين شدوا بها عبر الفضائيات والإذاعات.
ومع دخول العالم الألفية الثالثة، وانتشار التقنية الهائل في جميع مناحي الحياة، إلا أن من سمات هذا العصر النصب والاحتيال والرشوة والغش والتزوير؛ حيث ساعدت التقنية الحديثة اللصوص والمحتالين في إتمام عملياتهم المحرمة والمشبوهة. وتأتي عمليات النصب والاحتيال الإلكترونية واحدة من العمليات الجديدة التي يصعب التحكم بها ووضع الحلول الناجعة للقضاء عليها، ويرجع السبب في ذلك إلى أن اللص يمكن أن يمارس عمليات النصب والاحتيال من خارج الحدود، كما يمكن أن يغيِّر جلده بين فترة وأخرى كالفيروسات الفتاكة التي تغيِّر خصائصها من حين لآخر.
ولا شك أن هناك تحديات جمة تواجه المجتمعات البشرية في كيفية التعامل مع الفساد والمفسدين، إلا أن من الحلول المطلوبة في هذا الشأن تأصيل مبادئ النزاهة والشفافية في أوساط المجتمعات، وتفعيل دور المؤسسات الرقابية، كما أن على مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المختلفة دوراً مهماً في التوجيه والتحذير من مخاطر هذه العمليات؛ حتى تستطيع هذه المجتمعات أن تؤسس لثقافة مجتمعية تحارب الفساد بجميع أنواعه وأشكاله، وتستأصل شأفة الفاسدين والمفسدين؛ وبالتالي الوصول إلى الهدف المنشود، وهو «لا احترام للحرامي صاحب المجد الهلامي»، مع الاعتذار لسمو الأمير عبدالرحمن.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
Yousefms@ipa.edu.saعضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة