|
إعداد/ فهد العجلان - نائب رئيس التحرير:
مشاريع التطوير لا تُغادر غالباً بطون الورق، ومنعطفات التنظير، لكنها حين تتصل بالعدالة في يقين ملك عادل، تتجاوز ذلك كله إلى الفعل والشمول.. مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء يُمثّل هذا الاستثناء، فلم يتجاهل إنسانية السجين في قضاء حاجته، ولا فعالية القاضي في بيته، ولا هدر الطاقة في بيوت العدالة.. تحت قبّة الجزيرة.. كشف تفاصيل ذلك كله منفّذ هذا المشروع ومن يتابع تفعيله وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد العيسى.. فإلى ندوة العدالة:
ضيف ندوة قبّة الجزيرة يُعتبر المسؤول عن العدالة في إدارتها المالية وشؤونها الوظيفية لسلكي القضاء والتوثيق كوزير عدل ورئيس للمجلس الأعلى للقضاء، ويرفض الدكتور محمد رفضاً قاطعاً الدخول في تفاصيل الأحكام القضائية التي نعَتها بالجوانب الموضوعية للعملية القضائية؛ احتراماً منه - كما قال - لمبدأ استقلال القضاء الذي يُدار كما يُؤكد من قِبل السلطة القضائية متمثّلة في المحكمة العليا التي تشرف قضائياً على أحكام المحاكم كافة وفق صلاحياتها النظامية، وأنه لا دخل لوزارة العدل ولا لمجلس القضاء في صميم عمل المحكمة العليا، ولا عمل بقية المحاكم، وهو المتعلق بالأحكام القضائية؛ منبهاً على أن مفصل السلطة القضائية عن غيرها، ومناط استقلالها منصوص عليه في المادة الأولى من نظام القضاء، وفي النظام الأساسي للحكم وهو الأحكام القضائية، وليس غيرها، وأن هذا في عموم قوانين السلطة القضائية في العالم، وأنه يحقق مطلب التكامل والتعاون بين السلطات وعدم المجافاة بينها بالفصل الحاد الذي يجمع تكتلات مهنية داخل الدولة الواحدة وهو ما تخلّت عنه الدول التي صدَّرت للعالم مفاهيم السلطات والفصل بينها حيث طبَّقت عملياً أسلوب التكامل والتعاون، ما جعل من رأس السلطة التنفيذية في كبرى دول العالم يُرشح القضاة، وجعلَ من صلاحية البرلمان حجب الثقة عنهم وعزلهم، بعيداً عن مباشرة ذلك من قِبل السلطة القضائية نفسها التي تتفرغ لصميم عملها ومناط استقلالها وهو الأحكام القضائية، كما نبه الوزير العيسى على أن الثقة ببقية السلطات لا يقل عن حجم الثقة بالسلطة القضائية فالكل مناط به خدمة مرافق حيوية في الدولة كل منها لا يقل عن الآخر، وليس أحد من حيث الوضع يُفضل الآخر في معايير النزاهة، لكن لا بد أن تتجلى صور التعاون والتكاتف بين هذه السلطات لخدمة الشأن العام والأهم هو عدم تدخُّل أي سلطة في صميم عمل الأخرى.
العدالة محور التطوير
في البداية رحّب الزميل خالد المالك رئيس التحرير بوزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور محمد العيسى ومرافقيه لحضورهم ومشاركتهم في ندوة قبة الجزيرة، مرحِّباً أيضاً بالزملاء كتّاب الجزيرة على مشاركتهم أسرة تحرير الصحيفة في هذا اللقاء الهام، وقال الزميل رئيس التحرير: إنّ هذه الندوة تأتي اتساقاً مع النهج الإعلامي الذي تسير عليه صحيفة الجزيرة في التواصل مع صنّاع القرار، وفتح آفاق الحوار والنقاش بينهم وبين صحفييها وقادة الفكر من كتّابها وكاتباتها.
من جانبه قال الدكتور محمد العيسى: أسعدُ اليوم بلقاء نخبة إعلامية تتميز بالحياد والموضوعية والمهنية العالية، في حوارها ونقاشها حول موضوع مهم يتعلق بمرفق العدالة.. العدالة التي قامت عليها السماوات والأرض وتأسست عليها أركان الحكم، لذلك فهي مطلب الجميع، وليس من المستغرب أن يكون هناك اهتمام إعلامي بكل موضوع يمس العدالة، وليس قبل العدالة ولا بعدها مطلب أعلى ولا هدف أسمى فمتى تحققت كان العيش الكريم للإنسان، وكان الاحترام الحقيقي لإنسانيته وكرامته، ومتى اختلّت - لا سمح الله - كان الضد، والعدل يمثل لنا الكيان كله، وعندما نقول ذلك نستصحب أن عدلنا يعني تحكيم شرع الله تعالى فالعدل في المبتدأ والمنتهى يعني ديننا الحنيف، وتطبيق عدالته يترجم حجم التزامنا بهذا الدين القويم، وكل قضية قد تقبل العذر في التقصير والتجاوز وقد تقبل الأخذ ببعضها والاعتذار عن كلها إلا العدالة فهي لا تقبل إلا الأخذ بكافة مدلول هذه المفردة كاملة غير منقوصة، وأي إخلال بها من شأنه أن يطال منعطفاً خطراً في مسيرة الأمم والأوطان، نحن نستشعر هذا الأمر من وحي ديننا العظيم، وعلى خطى قيادتنا الرشيدة التي رعت هذا الأمر وأولته كامل اهتمامها وترجمت عملياً كيف يكون الإنفاق على العدالة ودعمها ورعاية متطلبات حيادها دون أن يكون لأحدٍ تأثيرٌ عليها، عزيمة من عزائم ديننا الكريم، وثابتاً من ثوابت هذه الدولة.
كل منا يُصيب ويُخطئ، والمهم أن يبذل كل منا وسعه، ومن جانب آخر يتعيّن على إعلامنا وهو يُمارس دوره الرقابي والتوعوي ألا يبتسر أطروحاته، ولا سيما في شؤون العدالة؛ فالحديث عن العدالة له بُعد يتسم بالحساسية ومضاعفة الأثر والتأثير فإن تزعزع الثقة بالعدالة بسياق مُبالغ فيه من خلال تعميم قصور معزول في نطاق ضيق مسيطر عليه بضمانات التقاضي؛ لتسحبه على الجميع بفعل تضخيم الطرح فهذا أمر في غاية الخطورة، ويجب أن تكون المؤسسات الإعلامية على وعي تام بهذا الأمر وهو لا يقبل أبداً التساهل فيه من خلال تفعيل أدوات الإثارة وتحريك المشاعر ولا مجال فيه أبداً للمبيعات والتسويق، وفي المقابل نرحب كل الترحاب بمراقبة حسن سير العدالة، فقاعات مرافعاتنا في المحاكم مفتوحة وأحكامنا معلنة ومتاحة للجميع، والنقد الموضوعي الذي يتم طرحه بسياق هادف ووفق التراتيب النظامية يجب أن نرحب به ونشكر مسديه لنا.
وبما أنّ الحديث اليوم عن العدالة فإنه سيكون أكثر عن مشاريعها التطويرية والتحديثية في الجانب الأول، وتحديداً حول مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء، وهذا المشروع له عدة محاور، الأول يتعلق بالمنشآت والتجهيزات، وكلنا على يقين بأن المنشأة وتجهيزها يوفر البيئة العدلية المناسبة، وقد سار هذا المحور في اتجاهين: الأول ونصفه بالمرحلة الانتقالية، ونعني بها الحالة التي تتطلّب معالجة بعض المنشآت بشكل مستعجل عن طريق الاستئجار حيث يتطلّب البناء بعض الوقت ونحن لا نرضى أبداً بوجود دُور عدالة غير لائقة.. الثاني يتعلق بتشييد دُور العدالة على أعلى المواصفات وفق استطلاعات ومسوحات استمرت أكثر من عام فنحن نبني للتاريخ وللزمن ويجب ألا نعجل في ذلك؛ فأن ننتظر صروحاً تاريخية للعدالة السعودية سنوات قليلة جداً لتبقى - بإذن الله - للزمن الطويل وهي تتألق بتاريخها وعبقها وجمالها خير من العجلة في الإنجاز ومن ثم انتهاء الصلاحية بعد سنوات قليلة علاوة على تواضُّع وضعها في وقتها، وقد حصلنا من خلال استطلاعاتنا على تصاميم وأفكار ستجعل - إن شاء الله - من منشآت العدالة في المملكة لا أقول من أفضل المنشآت، بل ستكون أفضل منشآت العدالة على مستوى العالم، بدعم مستمر وإشراف مباشر من خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله -، وقد وقّعنا بعض العقود وننتظر توقيع البقية التي تنتظر نتائج دراسة لجنة شُكّلت لهذا الأمر وتضم في عضويتها عدداً من الجهات المعنية، ونحن ننتظر ما ستسفر عنه من توصيات لإنشاء بقية المحاكم لا سيما في المدن الرئيسية، حيث خُصِّص لنا مؤخراً بعض الأراضي في مدن رئيسية وتحديداً في مدينة الرياض، وقد كنّا أمام خيار الشراء والذي سيكبّد ميزانية مشروع الملك مبالغَ طائلةً، لكن كان هناك تريثٌ وتواصلٌ مع الجهات المعنية طيلة المدة الماضية التي كانت رهنَ وعدٍ لنا بإنهاء الموضوع، ومع هذا لم يذهب الوقتُ سُدَىً، بل كان لمزيدٍ من الدراسات والاستطلاعات الدولية في دور العدالة، أضافت المزيد في التصاميم وتكامل متطلبات دور العدالة، حتى يسر الله هذه الأراضي مؤخراً.
الشفافية وعلانية الجلسات
وأضاف الدكتور العيسى: توخينا في تصاميم هذه المشاريع أن تكون وفق متطلبات نظام القضاء الجديد لا سيما تعزيز مبدأ الشفافية في علانية الجلسات، حبق ستكون هناك قاعات كبيرة لاستيعاب كل من يريد الحضور، ولم ولن نمنع أحداً من الدخول إلى قاعة المرافعة للاطلاع على حسن سير العدالة كما هو متاح حالياً وفق طاقتنا الاستيعابية.. أنتم تنشرون في هذه الصحيفة الموقرة العديد من القضايا الجنائية من خلال مراسليكم الذين يشهدون المرافعة في محاكمنا التي هي مفتوحة للجميع إلاّ ما يقدّره القاضي وفق أحكام النظام مع وجود هامش محدود لسلطته التقديرية في هذا الشأن، فمثلاً غالباً ما يَقصر القاضي حضور المرافعة على أطراف القضية في القضايا الزوجية ما لم يطلب أي من المترافعين فتح المرافعة للجميع فهذا حقه حتى لو امتنع الطرف الآخر ما لم يكن الآخر يهدف - تحت أثر نفسي - للتشهير والإساءة لخصوصية بيت الزوجية، ولا أعلم أن القضاء أغلق أبوابه إلا لمقتضى شرعي ونظامي.
أما فيما يتعلق بمحور التقنية فقد حققنا ولله الحمد إنجازات عالمية، حيث واصلنا حصولنا هذا العام على المركز الأول عالمياً في سرعة نقل الملكية العقارية بشهادة البنك الدولي، وقد تحقق لنا ذلك نتيجة اختزال الإجراءات وتقليصها في خطوات قليله، قد يقول قائل اليوم: إنّ نقل الملكية يأخذ أحياناً أياماً، وهذا كلام صحيح ولكن لا يأخذ هذا الوقت إلا حين يقتضي الأمر التحقق من الصك، هناك صكوك تتطلّب التحقق منها حماية للأملاك العامة والخاصة، هناك صكوك مزدوجة وهناك صكوك على أملاك عامة، وهناك صكوك عليها ملاحظات جسيمة، بل هناك صكوك مزوّرة، وبالمناسبة لا نجد من ينتقد تأخُّر الإفراغ في هذا إلاّ البائع.. أما المشتري فهو من يطالبنا بمزيد من التحقق.
وأضاف وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء: في سياق الحرص على مواكبة التقنية في وزارة العدل، أصبح بالإمكان الآن تقديم صحائف الدعوى في عدد من المحاكم عن طريق بوابة الوزارة، وعلى البوابة الإلكترونية للوزارة الآن 104 خدمات إلكترونية.. لدينا برامج جاهزة بكامل إجراءاتها تنتظر الآن اعتماد التوقيع الإلكتروني، ومن ذلك إصدار الوكالة وإلغاؤها عن طريق بوابة الوزارة الإلكترونية.. لقد استطعنا الآن عن طريق هذه البوابة تمكين الجميع من التحقق من الوكالة وسريان مفعولها وكامل تفاصيلها، وسيتم خلال الأيام القريبة القادمة - إن شاء الله - ربط المؤسسات العامة والخاصة بالنظام عن طريق الوزارة دون حاجة للدخول على البوابة، كما سيتم التطبيق الفعلي بعد التطبيق التجريبي لنظام البصمة لننهي بذلك إشكالية المعرف لمن تحمل بطاقة مدنية.
وأضاف الدكتور محمد العيسى: عطفاً على ما سبق ومن خلال المشاريع التي تم تنفيذها، افتتحنا بعض المحاكم الابتدائية وكنا قبل أيام في منطقة جازان لافتتاح بعض المشاريع، وافتتحنا أيضاً المرحلة الانتقالية لبعض محاكم الاستئناف، وننتظر - إن شاء الله تعالى - في الأيام القادمة افتتاح البقية.
المشروع وفّر وظائف كثيرة
بعد هذا شرع الدكتور محمد العيسي في المحور الثالث من مشروع الملك عبد الله المتعلق بالموارد البشرية، الذي وصفه بالمحور الأهم، فالمنشآت - حسب الوزير - تعد لمن يعمل فيها، وقد استطعنا ولله الحمد مضاعفة أعداد كوادرنا البشرية المؤهّلة، سواء في الإسناد القضائي وهم الموظفون أو من كتّاب العدل، حيث زاد عدد كتّاب العدل خلال عامين ونصف العام إلى 80%، وهذا الرقم يقارب الضعف، ويمكن أن أستعرض بعض الأرقام فقد بلغ كتّاب العدل 720 كاتب عدل وعدد الموظفين وصل إلى 17.244 موظفاً، وعدد القضاة بلغ 1582 قاضياً.
لا أخفيكم أنّ مشروع خادم الحرمين ضخّ وظائف عديدة وبمراتب عليا بحجم وظائف درجة قاضي استئناف ورئيس استئناف التي تُعادل كل منهما المرتبة الممتازة في المزايا والبدلات وتتفوق عليها في المرتب، لكن كما قلنا يظل حسن الاختيار وتعاهد التأهيل الأكاديمي بتأهيل وصقل تدريبي الاختبار الصعب.. وما أود الحديث حوله هو التدريب القضائي، حيث تم تدريب حوالي 500 قاضٍ خلال الفترة الماضية تدريباً نوعياً، هناك أيضاً زيارات لمؤسسات ذات صلة بالعمل العدلي بغرض التدريب وصقل الموهبة القضائية، وفيما يتعلق بعدد الموظفين في الوزارة فقد بلغ عدد الموظفين 26.413 موظفاً.
وفي سياقنا قد يتساءل البعض من قبيل رصد الأرقام المنوطة بالوزارة عن عدد المحامين والمحكمين، ومأذوني الأنكحة، فبالنسبة للمحامين فقد بلغوا 2016، وأما المحكمون المقيّدون لدى الوزارة فقد بلغوا 1113، أما عدد مأذوني الأنكحة فبلغ 4887 مأذوناً، طبعاً على الوزارة مسؤولية رقابية تتعلق بمراقبة حسن سير الجميع دون التدخُّل في أعمالهم خصوصاً المحاماة والتحكيم، أما شكوى البعض حول طول إجراءات التقاضي وطلبهم أن يكون بين الجلسة والأخرى يوم أو يومان أو أسبوع، فلا أعتقد أنّ هذا معمول به في أي دولة في العالم، وأنتم تطلعون على إجراءات التقاضي وتدركون بطئها في عامة الدول فهي ظاهرة عالمية، كنا مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية، والتقينا ببعض الحقوقيين واشتكوا من بطء إجراءات التقاضي هناك، ولذلك أدعو الجميع إلى التفعيل الأمثل للبدائل الشرعية للتسوية من مثل اللجوء للتحكيم والمصالحة والتوفيق، لأنّ عملية التقاضي تمر بإجراءات تتطلّب نوعاً من البطء الذي لا يتجاوز غالباً نطاقه الطبيعي والمقبول إلى حد ما، لكنه في جميع الأحوال يُعتبر بُطئاً ونحن نؤمن بأهمية سرعة الفصل في القضايا.. إذن لا بد من التخفيف على القضاء وإيجاد حلول للتسوية وهي معمول بها في دول العالم ويكفي أن شرعنا الحنيف احتفى بها خصوصاً الصلح فقد قال المولى جل وعلا: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}، وأحب أن أضيف هنا بأن البعض يجيد التنظير بعيداً عن محك التطبيق وعقباته، والبعض لا يعلم حدود الصلاحيات وما تحكمه الأنظمة والتعليمات، مطالباً الجميع بسرعة البت في القضايا في مُددٍ وجيزة جداً، ثم يُلقي باللائمة على أيِّ تأخير أياً كان، ونحن نقول لهذا ما أحسن التنظير والطرح وأبعده في كثير من الأحيان عن التطبيق متى كان منبت الصلة عن الواقع، ودوماً نسمع بالفجوة بين النظرية والتطبيق، ومن يُنَظِّرُ لك في مثل هذا لا بد من دعوته لتطبيق مشروعه، وأذكر أن بعض المؤسسات قدمت للوزارة دراسة تطويرية يغلب عليها التنظير والخيال وتصطدم تماماً بالواقع التطبيقي من عدة جوانب لا نذكر تفاصيلها حتى لا نطيل، وبمجرد طلبنا منهم وضع آلية تنفيذية لهذه الدراسة وإشرافهم المباشر عليها اعتذروا بوجود أعمال أخرى، متى قالوا ذلك؟ قالوه بعد دراسة الموضوع لمدة طويلة من طلالوزارة ، مع أن هذا العمل الإضافي سيضاف لعقدهم بعد استيفاء الإجراءات النظامية، والغالب أن تكلفته ستتجاوز تكلفة إعداد الدراسة ومع هذا اعتذروا، وهذا يجعلنا نستذكر بعض المنظّرين من الكتّاب وغيرهم ممن يبحر في خيالات بعيدة عن الواقع بل وفي خيالات تم تجاوزها إلى ما هو أفضل وفي خيالات لو فُوتح في سلبياتها لعلم حجم المساحة التي يفكر من خلالها.
خمسة أنظمة جديدة
وأضاف وزير العدل: مشروع نظام المصالحة والتوفيق، رفعت عنه الوزارة وهو يدرس حالياً في هيئة الخبراء وعلى وشك الانتهاء، والتباين حوله ينحصر حول صيغته التنفيذية هل تكون على هيئة مركز وطني للمصالحة والتوفيق له فروع، أو على هيئة مكاتب متفرقة، وأياً كان الأمر فإن المتوقع أن تحل هذه الفكرة الكثير من القضايا بعيداً عن المحاكم، بأسلوب ودّيٍّ توافقي، وذلك أنه كما تعلمون يخرج من القضاء اثنان أحدهما راضٍ والثاني في الغالب ساخط بينما يخرج الجميع من مكتب المصالحة برضا وتوافق، وغالباً ما يؤثر هذا على التواد وصفاء النفوس وقد رُوِيَ عن عمر رضي الله عنه أنه قال: « ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث الضغائن» وفي رواية أخرى عنه: «ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإنه أبرأ للصدور وأقل للحباب» - أي الشيطان - ومعناه أن الصلح أبعد عن حضور الشيطان، وهو ما يُسمى بمشروع: «التراضي قبل التراضي» .. وتعلمون أن الوسيط يملك من أدوات الإصلاح ما لا يملكه القاضي، لأنّ القاضي مُقَيَّدٌ بإجراءاتٍ وبالتزام عدم الإفصاح عن حكمه، أما الوسيط فقد يستطيع توقُّع الحكم من خلال خلفيته عن السوابق والمبادئ القضائية ويفصح بذلك للطرف الخاسر ويطلب منه التصالح، وقد حققت بعض الدول العربية التي فعلت كثيراً من خيار التحكيم داخل المحاكم نسباً عالية في الحد من تدفق القضايا على القضاء بلغت 40%، فما بالكم إذا كان خارجها، فالتحكيم صيغة تسوية في غاية الأهمية.. طبعاً مشروع التحكيم الذي هو على وشك الصدور سيجعل الحكم يتجه مباشرة لمحكمة الاستئناف دون أن يمر بالدرجة الابتدائية، وفيه التأكيد على عدم التدخل في الوقائع والموضوع، فالقضاء لا يتدخل في التحكيم إلا في حالين، أولهما: أن لا يخالف الحكم التحكيمي النظام العام للدولة وفي طليعة ذلك أحكام الكتاب والسنة، وثانيهما: أن لا ينطوي على بطلان إجرائي، وما سوى ذلك لا يتدخل القضاء في التحكيم.
وأضاف الوزير: العدالة البطيئة لَزْمَةُ إجراءات التقاضي في عموم الدول، وجميع المنظرين الحقوقيين على إيمان بأهمية تفعيل بدائل فض المنازعات، ولوصولنا لعدالة ناجزة لا بد من تفعيل هذه البدائل، والحق يُقال: لقد تباطأنا في تفعيل خيار التحكيم والمصالحة ودفعنا الثمن مواعيد بالأشهر، ومع بطء إجراءات التقاضي إلا أنه لا يزال في هامشه المقبول مقارنة بعدم تفعيل البدائل، وأنا أعني كلمة مقارنة بعدم تفعيل البدائل، كما حدد الوزير مهام القيادة القضائية بقوله: القضاء يُدار مالياً وإشرافاً عاماً من وزارة العدل، ووظيفياً من المجلس الأعلى للقضاء، وقضائياً من المحكمة العليا.
وتابع الدكتور محمد العيسى: الأحكام القضائية هي مناط استقلال القضاء ورأس هرمها المحكمة العليا، ومرجعية السلطة القضائية إلى المحكمة العليا ورئيسها يشغل مرتبة وزير ولا يخضع لمدد الوزراء بخلاف وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، بل وأعضاء المجلس المتفرغين وغير المتفرغين فلهم مدد لا تتجاوز أربع سنوات ما لم يمدد لهم، وبيَّن الوزير أن مجلس القضاء هو هيئة إدارية لا سلطلة قضائية، فالسلطة القضائية تعني سلطة البت والفصل في القضايا ورأس هرمها المحكمة العليا، وهذا ما نصت عليه هيئة الخبراء في تكييفها لوظيفة مجلس القضاء وفق نظام القضاء، وثمة عدد من الدول تتبع المجالس القضائية فيها وزير العدل كما في الإمارات وعمان وغيرها، وتحدث معاليه عن الاستقلال القضائي على ضوء ما جاء في ديباجة هذا العرض.
مكاتب الصلح الانتقالية
وأضاف الدكتور محمد العيسى: في الوقت الذي نستشرف فيه مستقبل المصالحة والتوفيق ونتهيأ لنظامه المؤسسي قمنا خلال الفترة الماضية بتفعيل مكاتب الصلح في المحاكم بأسلوب ذاتي - انتقالي - وقد أنجزت بعض المحاكم ما يقرب من 60% من قضاياها عبر المكتب.
فروع كتابات العدل الأولى
وأضاف الدكتور محمد العيسى: كما أود أن أوضح أن الوزارة وفي إطار مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء، افتتحت ولأول مرة فروعاً لكتابات العدل الأولى داخل بعض المدن، وهي بداية لتعميم الفروع في بقية المدن ، ومُؤدى هذا هو تمكين البائع من إفراغ عقاره من أي مكان بالمملكة، وهذا سيلغي الولاية المكانية لكاتب العدل.
استكمال التطوير
المهندس ماجد العدوان استكمل الحديث عن المشروع قائلاً: بالنسبة لكتابات العدل كبنية تحتية فقد نفذت الوزارة 300 مبنى، وربطت ذلك بشبكة الحاسب الآلي خلال الستة أشهر الماضية، وسنمضي ما يقارب الشهرين ونصف الشهر لنكمل 400 مبنى، والآن هناك إجراءات ترسية لتأمين 8 آلاف جهاز حاسب آلي، فعملية تشغيل الحاسب الآلي في المحاكم وكتابات العدل تخطو خطوات سريعة، ويمكنكم أن تلاحظوها بعد ما يقارب من شهر ونصف الشهر حيث سنعلن عن ما تم تشغيله - بإذن الله -.
وأضاف المهندس العدوان: فيما يخص إعادة إجراءات الحجز والتنفيذ، فقد رسمنا الإجراءات مع العديد من الجهات وقمنا بنمذجتها لتشغيلها، كما أعدت مكاتب الصلح إجراءات ونماذج لتكون جاهزة بمجرد إقرار النظام، وفيما يخص المحاكم العامة والمحاكم الجزئية، فقد قطعنا شوطاً كبيراً بشأنها ونحن الآن في مرحلة تشكيل الاعتماد من لجنة عليا من قضاة وموظفين. وحول إصدار الصكوك من كتّاب العدل، فقد اختصرنا الإجراءات في خطوتين فقط وهذا ما سنطبقه فيما يخص جميع كتابات العدل، بحيث تختصر بالوقت والجهد في أقل الخطوات على المواطن، بحيث أن تنتهي الإجراءات خلال 15 دقيقة.
وزير العدل علّق قائلاً: قبل أسبوعين زار وفد من البنك الدولي إحدى كتابات العدل في منطقة الرياض، لكي يسجل تقريره عن عملية وسرعة إنهاء الإجراءات لاستخراج صك ملكية تستغرق إجراءاته 15 دقيقة فقط.
البيئة العدلية
وأكمل المهندس ماجد العدوان الحديث عن البيئة العدلية وهي المحور الثالث للتطوير التقني قائلاً: تشمل البيئة العدلية أيضاً المرافق والمباني، حيث تم تصميم المحاكم وفق اختصاص المجلس الأعلى للقضاء وتنفيذ مبانٍ وفق أحدث التقنيات وإدارتها من المركز الرئيسي في الرياض، فمثلاً يتم التحكُّم في مبنى محاكم في سكاكا أو المبنى الجديد في بريدة من خلال المركز الرئيسي لإدارة المباني، فعندما ينتهي الدوام تغلق المباني أنوارها ويغلق التكييف بدلاً من تركها تعمل خلال إجازة نهاية الأسبوع، وأعتقد أنّ ذلك سيوفر كمية كبيرة من الكهرباء.
إنسانية السجين
من جانبه قال وزير العدل: مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء، راعى أيضاً حق السجين وإنسانيته والحفاظ على كرامته، فقد خصصنا له في المباني العدلية مصاعد ووضعنا له في كافة الأدوار دورات مياه خاصة، ومتى كان أمام منصة القضاء فإن القيود تُزال عنه، ويكون أثناء المرافعة في مكان لائق.
الربط بالنظام البنكي
وأكمل المهندس العدوان حديثه قائلاً: تم حالياً تنفيذ 32 مبنى جديداً من المحاكم، ويتم الآن استلام العديد من مجمعات المحاكم التي تم الانتهاء منها، كمجمع الدوائر الشرعية والمحاكم الشرعية في بريدة ومجمع الدوائر والمحاكم في سكاكا.. من جانب آخر أيضاً لدينا مشروع الهاتف الشبكي في المحاكم لخدمة المواطنين والموظفين داخل المحاكم، وربط كافة المحاكم ببعضها داخل المملكة، كذلك تم إنشاء مركز عالي المستوى لتقنية المعلومات وربطه بـ25 جهة من المحاكم والدوائر الشرعية بالمملكة، بالإضافة إلى ذلك سيتم ربط النظام البنكي بالمحاكم وربطه بنظام الوكالات لسرعة الإجراءات، كما تم الربط مع وزارة الداخلية ومع المرور ومع المؤسسة العامة للتقاعد وكثير من جهات الدولة.
140 خدمة إلكترونية
وأضاف المهندس العدوان: أيضاً تم تحديث وتطوير البوابة الإلكترونية للوزارة لتضم 104 خدمات تقدمها البوابة، وقد تم أيضاً ربط بعض السجون بالنظام الإلكتروني، من خلال برنامج المحاكم فيما يخص مواعيد حضور الجلسات، كما ستتمكن هيئة التحقيق والادعاء من متابعة سير القضايا، وما آلت إليه من خلال الشبكة الإلكترونية.
الثقافة العدلية
حول الثقافة العدلية والتي تُمثّل المحور الخامس، تحدث المهندس العدوان قائلاً: الهدف هو إبراز الصورة المشرقة لدور القضاء ونظام العدالة في المملكة.. وفيما يخص إبراز هذه الصورة يتم تكثيف اللقاءات مع الوفود الرسمية والدولية من قِبل مسؤولي الوزارة.. بالإضافة إلى حضور المؤتمرات الدولية والفعاليات الدولية المختصة بالشأن العدلي، ويقوم معالي وزير العدل بعدد من الزيارات الخارجية التي توضح الصورة الحقيقية والمشرقة للقضاء السعودي، وكان آخرها الزيارات الناجحة لمعاليه لإسبانيا وللولايات المتحدة الأمريكية، وتصدِّيه للحملات المُغرضة التي تستهدف تحكيم الشريعة الإسلامية.
النظام الإلكتروني في 40 محكمة حالياً
حول دور الوزارة في التفتيش القضائي، قال المهندس العدوان: طبقت وزارة العدل النظام الإلكتروني في أكثر من 40 محكمة، وألزمت القضاة باستخدام النظام الإلكتروني الذي أعطى الوزارة صورة واضحة عن الوضع في المحاكم، فهناك بعض القضاة تجاوزوا عدد القضايا المحدّدة في تقييم الأداء المقرر لهم بأكثر من المعدّل المطلوب، والبعض الآخر كانوا أدنى من هذا المعدّل.. هذه التقارير نرسلها مباشرة للتفتيش القضائي حول كل قاضٍ وإنجازاته ومعدّل عمله، وهناك اسم مستخدم سيوزّع على القضاة لكي يتيح لهم فتح هذا البرنامج لمعرفة إنجازاتهم ومقارنتها بزملائهم لإثراء روح التحفيز والمنافسة بين القضاة، من ناحية أخرى هذا النظام سيمنح التفتيش القضائي أيضاً الفرصة لكي يقوم بعمله الرقابي التفتيشي عن بُعد، كما سيتيح النظام الجديد للقاضي أن يراجع القضايا في بيته من خلال بوابة الوزارة الإلكترونية.. هذا النظام كما أشرت يتيح للمراقبين حتى من خارج الوزارة معرفة عدد القضايا التي تم إنهاؤها، فمثلاً في عام 1433 تم إنهاء 41% من عدد القضايا المنظورة التي تتلقاها المحاكم.
بعد ذلك تحدث رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك قائلاً: استمعنا من وزير العدل الدكتور محمد العيسى إلى معلومات هامة حول مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء في المملكة، وقد تضمّنت المعلومات إحصاءات وتفاصيل موثّقة حول ما أنجزته الوزارة في البنية التحتية والتطوير التقني والموارد البشرية وإعداد الكفاءات والخبرات.
واختتم حديثه قائلاً: أعتقد أنّ ما استعرضه الوزير رسم صورة واضحة للزملاء حول مشروع الملك عبد الله لتطوير القضاء، وسيختصر كثيراً من الأسئلة التي كانوا سيطرحونها.. ولكن كما نعلم جميعاً أنّ شهية الأسئلة لدى الصحفيين والكتّاب لا تنتهي، خصوصاً في مثل هذه الموضوعات الهامة والحيوية، وبحضور مسؤول بحجم وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء.. ولا بد من منحهم الفرصة لذلك.
غداً.. الجزء الثاني