اتخذت ليبيا اسمها من اسم قبيلة (الليبو) التي سكنت مابين مصر وتونس منذ آلاف السنين. وليبيا تتكون جغرافياً من ثلاثة أقاليم: طرابلس الغرب، برقة، وفزان. ويسكنها قرابة 6.5 مليون نسمة على مساحة تقدر 1.8 مليون كيلو متر مربع. وخلال عام 2009م سجلت ليبيا في آخر سنوات القذافي رابع أعلى (ناتج محلي) في القارة الأفريقية بعد سيشل وغينيا الاستوائية والغابون؛ غير أن توزيع هذا الناتج المرتفع بين الليبيين كان ظالماً، فقد استأثرت بهذا الناتج فئات معينة من أقارب القذافي ومحاسيبه وأبناء قبيلته، إضافة إلى من يخدمون نظامه، بينما حُرمت منها بقية الفئات، وكذلك المناطق التي ليست موالية للقذافي ولا قبيلته، أو أنهم على عداء مع طرحه الأيديولوجي لفلسفة الدولة والمؤتمرات الشعبية، التي كان يُسميها في كتابه الأخضر (النظرية العالمية الثالثة).
كل المؤشرات الآن تقول أن ليبيا ستتفتت، أو على الأقل سيُعاد تركيبها فيدرالياً بشكل يجعل وحدتها هشة، وقابلة للتفكك عند أي عارض، خاصة وأن السلاح الآن أصبح منتشراً بين أفراد القبائل، والخلافات القبلية والمناطقية عميقة، ومن الصعوبة بمكان التغلب عليها واحتوائها. الثروة البترولية وطريقة توزيعها هي أم المشاكل، وأس الخلاف بين مكونات ليبيا الجغرافية. يُنتج شرق ليبيا، أو ما يُسمى بإقليم (برقه) 80%، من الثروة البترولية الليبية، وعدد سكانها مليوني نسمة، في حين يشكو أهالي هذا الإقليم من أنهم كانوا أقل المناطق استفادة من الثروة البترولية، لذلك فقد انتهز أكثر من ألفين من زعماء القبائل والميليشيات في إقليم (برقه) فرصة غياب السلطة المركزية في طرابلس، وأجروا اجتماعاً أصدروا في نهايته بيانا أعلنوا فيه تحويل الإقليم إلى منطقة (فيدرالية) وللتخفيف من حدة الكلمة استعملوا عبارة (شبه حكم ذاتي). ويُفسر أحمد السنوسي هذه العبارة بالقول : (بحيث يكون للمنطقة سيادة شبه كاملة - إن لم تكن كاملة - على ما بها من موارد وثروات بحيث تؤول إليها ولا تدخل في الميزانية العامة للدولة التي يتبعها الاقليم الفيدرالي). وقد برر المجتمعون أن فكرة الفيدرالية ليست بذرة للانفصال، وإنما: (محاولة للاستفادة من عوائد الثروة البترولية للبلاد في الوصول إلى تنمية حقيقية للإقليم الذي ظل مهمشاً في سنوات حكم الرئيس الراحل معمر القذافي) وقالوا : (إن حكومة الإقليم سوف تتولي إدارة شئون الإسكان والتعليم بينما تتولي الحكومة المركزية الإشراف على شئون الأمن والدفاع) .
ويبدو واضحاً للعيان أن ليبيا تسير في ذات المسار العراقي الذي يحث الخطى نحو التفتت إلى أكثر من دولة، منذرة أن الانتفاضات العربية قد تكون نتائجها وبالاً على البعض، حيث إن غياب السلطة المركزية القوية، التي كانت محافظة على تماسك الدولة، سيؤدي إلى تكريس دعوات التشرذم والتفكك، وبالتالي تتحول الدول العربية إلى عدة دويلات؛ ففي مصر - أيضاً - هناك تنظيم يُسمى تنظيم (الأمة القبطية)، وهو تنظيم أنشئ في الخمسينات من القرن الماضي، وجرى إحياؤه مؤخراً، يُناصب التنظيمات الإسلامية المصرية العداء، وبالذات تنظيم الإخوان المسلمين؛ ويرفع شعارات متضادة مع شعارات الأخوان، مثل: (الإنجيل دستورنا، والقبطية لغتنا، والموت في سبيل المسيح أسمى أمانينا)؛ ولا يمكن التقليل من خطورة هذه التنظيمات الانفصالية، خاصة بعد نجاح مسيحيي السودان في الانفصال عن الوطن الأم. إضافة إلى أن مثل هذا التشرذم سيصب في مصلحة إسرائيل أولاً وأخيراً، لذلك سوف تسعى من خلال نفوذها في الغرب إلى تمريره وتشجيعه ودفعه إلى أن يكون أمراً واقعاً، لأنه يُبرر وجودها كدولة دينية يهودية في المنطقة.
والسؤال: هل نحن واعون إلى ما يُخبئه المستقبل لهذه المنطقة من العالم، خاصة مع انتشار وتجذر الطائفية والمذهبية في مجتمعاتنا، والتي تُنذر بتشظي المجتمع الواحد إلى مجتمعات متناحرة؟
إلى اللقاء