المصوّر الفوتوغرافي يتميّز عن غيره من البشر بأنه يمتلك أداة مطواعة تمكنه من اصطياد (لحظات زمنية) لا يراها سوى هو وتثبيتها عبر إطار لا يبرح مكانه ما بقيت الأرض، وعندما ينقل المصور هذه اللحظات إلى الآخرين، ويجعلهم يشاهدون ما كان قد شاهده، تحصل حينها الدهشة، لأن عامة الناس لا تمتلك نفاذ بصيرة المبدع بحيث يشاركونه تلك اللحظة في حينها، فعندما (لا يريهم إلا ما يرى هو فقط)، تتحقق لحظة من الإثارة لا يملكون أمامها إلا التصفيق والإعجاب والوقوف في حالة متلبسَّة كلها خيال وإثارة وإبداع.
على الرصيف - مثلاً - يمكنك أن تشاهد ملايين المواقف، ولكن أحدها لا يستوقفك، لأنها - بكل بساطة - قد شاركك المشاهدة كل من سار بجوارك، ولكن لذة الدهشة عندما (يريك) المصور منظراً من الرصيف لم تشاهده وأنت تسير، عندما يختلس زاوية على (حين غرة) ويقذف ضوءاً كالشمس فتمسك لحظة كادت أن تمر لولا ذلك المبدع الذي التقطها وجمد مفاصل الزمن بها.
إنه معرض (عابرون) عندما يكشف لنا لحظات في زمن الأرصفة والشوارع والأسواق، مواقف لم تشاهدها أنت رغم أنك مررت بجوارها، ولكن ثمة مبدعين يجعلونك ترى عالم الرصيف بشكل جديد وكأنك تطؤه للوهلة الأولى.
معرض (عابرون) الذي افتتحه وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية د. ناصر الحجيلان الأحد الماضي ويستمر حتى مساء هذا اليوم شكَّل نقلة في عالم المعارض من حيث الموضوع الذي أتاح للمصوّرين أن يعكسوا لنا سير الحياة التلقائية التي لا نكاد نلتفت لها في غمرة مشاغلنا، إنه المعرض بأدائه الراقي تنظيماً وعرضاً بالشكل الذي لا يسمح لاحقاً بالاجتهادات التي تسيء لفن التصوير أحد أهم الفنون التي باتت محل اهتمام الشباب الجديد.
الأعمال عادة تتميز بمدى عمق الفكرة والفلسفة التي تكمن وراءها، فليس العمل وحده أو التنفيذ وحده أو التوقيت وحده قادر على أن يضيف نقلة نوعية تنعطف بالحراك الفني باتجاهات أكثر إبداعاً.
nlp1975@gmail.com