ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 17/04/2012/2012 Issue 14446

 14446 الثلاثاء 25 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

التشاؤل حالة تردد بين التشاؤم والتفاؤل، وهو مصطلح سكة الكاتب الفلسطيني الشيوعي التائب أميل حبيبي في عام 1974م كعنوان لروايته “سعيد أبي النحس المتشائل” وهي تصور حياة فلسطيني تحت الاحتلال لا يستطيع الاستقرار على حالة نفسية معينة سواء من التفاؤل أو التشاؤم...

...ولذلك فهو لا يميز التشاؤم من التفاؤل. يستيقظ في الصباح من النوم فيحمد الله أنه ما زال على قيد الحياة فيتفاءل، وهو يتعرض لصراع مع الاحتلال فيصاب بالتشاؤم، ويتخيل ما هو أسوأ من ذلك فيصبر على المكروه لئلا يقع ما هو أكره منه فيصاب بحالة من التفاؤل، ولذلك فهو يتأرجح بين الحالتين، ولا يعرف أهو متشائم أم متفائل.

التشاؤل اليوم هو أفق أمتنا للأسف في مرحلتها هذه، فبعد أن أخلفت توازناتها حركات الاحتجاج الواسعة التي أفضت لسقوط بعض الأنظمة السياسية ودفعت الشعوب لحالة من التفاؤل، إلا أنها ما لبثت أن استفاقت لنفسها عن البحث عن بديل خلف لنظام سلف، نظام موثوق يضمن تحقق تطلعاتها المستقبلية فاكتشفت أن إيجاد البديل أصعب من استبدال القديم، فاستشعرت خطر التغيير وأصابتها حالة من التشاؤم. فالتغيير في بلدان شعوبها لم تمتع بالوعي السياسي بعد، ولم تصل لحالة من النضج والتنظيم تحدد معه أهدافها القريبة أو البعيدة من التغيير قد لا يعني دائماً التوجه نحو الأفضل.

ما حصل في دول مثل مصر وليبيا، وتونس، واليمن ليس بداية النهاية بل نهاية البداية، انتهت مرحلة لتتفجر مرحلة أعمق وأكبر من الصراع حول السلطة، وظهرت على الساحة قوى ذات شعبية جماهيرية جارفة تمارس دوراً مطابقا تقريبا للقوى الآفلة من حيث الدوغمائية ولغة الشعارات. شعارات لا تختلف عن سابقتها إلا في منطلقاتها فقط ولكنها تتطابق معها في كونها فارغة من أي جهد تخطيطي أو برامج مرسومة، شعارات تركز على محاربة الماضي، أو كما يسمى رموز النظام السابق، ولكنها لا تقدم أي رموز للمستقبل. ومن المعروف تاريخياً أن حالات عدم الاستقرار لا تأتي إلا بالقوى الانتهازية المتجذرة في مصالحها هي، وتستخدم مطالب الطبقات البسيطة وعاطفتها للوصول لها.

ويمكن القول إن بدايات الربيع العالمي، وليس الربيع العربي فقط، قد بدأت بالسقوط المدوي للاتحاد السوفيتي في عام 1991م فيما يشبه بالربيع العربي اليوم، ورغم محاولات الإصلاح للقوة السوفيتية آنذاك، ورغم جهود الكثير من المخلصين السوفييت، إلا أن الغلبة كانت لما استخدموا كرت محاربة رموز النظام القديم، صالحين كانوا أو طالحين، وبالرغم من نزاهة وإخلاص الكثير منهم وعلى رأسهم رأس النظام آنذاك ميخائيل قورباتشوف، إلا أن المحصلة هي صعود مدو لطبقة من الا نتهازيين والرأسماليين الجدد إلى سدة السلطة، وتم بيع إنجازات مئات السنين من كد وجهد الشعب فيما يشبه المزاد العلني، ولمشترين خارجيين. وحظيت الدولة العظمى برئيس إصلاحي سكير هو يلتسن، الذي سلم السلطة من بعده بعد أن غالبه الإدمان، لشخص يستر عليه بعد التأكد من أنه لا تسكره الخمرة بل يسكره سلطان القوة وهو فيلادمير بوتين، واليوم تتأرجح روسيا بين رئيسين أفضلهما سيئ، بوتين وميديديف، وبقي الشعب الروسي يبحث عن طرق خلاص في حالة من التشلئل المستمر.

الشعوب العربية هبت في الأساس على سلطاتها بسبب الفقر وانتشار الفساد، والبطالة، والتفاف الفاسدين حول السلطة حتى أصبح الفاسدون هم السلطة، وأضحت السلط فاسدة. ومن يسعون اليوم للزحف على السلطة قد لا يكونون صالحين بالضرورة، ولكن محاربتهم للفساد ربما كانت جزءا من صراعهم حول السلطة الفاسدة ذاتها، وليس بالضرورة للإصلاح، أي أنهم يريدون السلطة كما كانت في السابق ولكن وفق معطياتهم السياسية، ووجهة نظرهم هم، فهم لا يسعون لتغيير جذري لأن ذلك في غير مصلحتهم، وإنما يسعون لتغيير شكلي فقط، والقوى التي من المتوقع أن تقف ضد مشروعهم هي رموز النظم السابقة التي عملت مع هذه النظم واختلفت معها، وتمرست في العمل السياسي. فخطورة هؤلاء على الطامحين الجدد في السلطة تكمن في أنهم احترفوا السياسة وتمرسوا في كشف الألاعيب السياسية، وقد يكونوا مصدر تهديد محتمل بكشف الأعيب السلط الجديدة. فليس كل من خدم مع الأنظمة السابقة فاسد ضرورة، وليس كل من خرج من سجن السلطة السابقة صالح بالضرورة، وهناك خلط كبير وواضح للأوراق اليوم، ونوع من ممارسة السحر السياسي على المواطنين البسطاء المساكين التي خرجت متظاهرة سعياً لتحسين ظروفها المعيشية.

أخشى ما يخشاه المراقبون هو استبدال الأولقارشيات العسكرية القديمة في الدول العربية بأولقاريشيات إسلامية حزبية، ترى ضرورة إعادة الأمة إلى سابق عهدها من أجل أن تنهض بها مرة أخرى، أي أنها تشترط العودة للخلف كضرورة لاستمرار المسيرة للأمام. وقد يجد المواطن العربي المسلم، نفسه كالعادة يترحم على العهود الماضية بفسادها، كما ترحم مواطنو معظم الدول على الملكيات الدستورية التي دعموا الإطاحة بها في بلدان مثل العراق، وليبيا، ومصر، وغيرها بحجة الفساد ليترحموا عليها لاحقاً بعد أن ذاقوا ويلات حكم الملكيات العسكرية الحزبية التي لا دستور لها، ولا مبادئ، ولا أخلاق.

أفق التشاؤل يتسع ويتباعد عند النظر للحالة السورية المحزنة حيث يباد جزء كبير من شعب أعزل من قبل أقلية عسكرية توارثت الطغيان وتمرست في عمليات القمع. ويحدث هذا في ظل تطورات عالمية غريبة عجيبة، وفي خضم تجاذبات سياسية أقل ما يقال عنها أنها مخزية، فإيران جندت عقودا من تاريخها الثمين للتسلح العسكري والتآمر على جيرانها، وتهديدهم في ضرب مصالحهم، مع أنها قد بدأت في ذلك فعلياً، والنظام السوري الذي اشتدت عزلته عن شعبه باع البلاد بقضها وقضيضها للحكومة الإيرانية المتآمرة الصديقة. ويحسب له تاريخياً أنه أول حزب عربي قومي يبيع الأمة العربية بثمن بخس لنظام أجنبي يتبنى أكثر الإيدلوجيات معاداة وعنصرية للعرب.

المؤسف في الحالة السورية أن الوضع متشابك وخطير، ولا بوادر تلوح في الأفق للحسم لأن الدب الروسي، والعمامة الإيرانية تهددان بإشعال النار في المنطقة فيما لو تم التدخل لمساعدة الشعب الأعزل الذي يذبح يوميا والنظام الديكتاتوري العسكري قد قطع كل سبل العودة للتفاهم مع شعبه بعد أن قتل نصف شبابه، والشعب لن يقبل نظام له ثارات ضده من قتل أنفس عزيزة عليه. فالشعب السوري المسكين يقبع تحت حالة ملتهبة من اللاحسم.

وكما صرح جيمس بيكر، وزير خارجية أمريكا الأسبق لعقد حروب الخليج، الذي تمت معها استعادة الكويت وتسليم إيران السلطة في العراق على طبق من فضة، فأمريكا ليست لديها الشهية، ولا الرغبة، ولا القدرة الاقتصادية لخوض حرب جديدة، لا سيما وأنه في مرحلة الانتخابات تصاب أمريكا بما يشبه العنه السياسي العسكري. وفي ظل هذه الظروف سيستمر الدب الروسي، على الأقل في المستقبل المنظور في ابتزاز دول المنطقة من خلال بعض الدول التي أعمتها روح الانتقام من جيرانها كما كان يفعل النظام السوفيتي السابق، وسيشعل حربا باردة في منطقة الشرق الأوسط الحيوية للغرب.

يتوقع الكاتب أن يراوح الموقف السوري وضعه المأساوي لردح من الزمن لأن خلافاته مع شعبه لا يمكن تجاوزها في ظل انقسام البلاد لمعسكرين: معسكر الجيش، ومعسكر الشعب مع عدم وجود بوادر للحسم لأحدهم. وسيستمر الوضع كذلك في ظل التوتر والفوضى التي تعم الحياة السياسية في مصر، كبرى الدول العربية، وفي ظل التجاذبات السياسية الرخيصة. ولا أحد يرغب في اتساع رقعة الحرب السورية الإيرانية الروسية ضد الشعب السوري لتجر إليها دولا مجاورة مثل تركيا، أو الأردن، أو لبنان. فلا يزال التشاؤل هو ما يلون أفق أمتنا العربية، جنبها الله شرور وويلات الحروب.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

الأفق المتشائل
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة