يُعَدُّ الكِتَابُ أَحد وَسائلِ الثَّقافةِ وأقدمها مقارنة بالوسائل الأُخرى، حيث لا يكاد يخلو بيت عالِمٍ أو مثقفٍ أو متعلمٍ من وجود مكتبةٍ صغيرةٍ أو كبيرةٍ في بيته، ومع تغيُّر وسائل التثقيف والحصول على المعلومة بدأ الكتابُ بأخذِ مكانة ضئيلةً عند بعضهم لأسباب كثيرة، أو أنه أخذ مكانة أقل من مكانته في السنوات السابقة، في حين أنّ شريحةً كبيرةً لا تزال تتعامل مع الكتاب بشكل قوي رغم وجود الوسائل الحديثة.
ولعل مدينة الرياض - مقارنة بمدن المملكة الأخرى - تُعدُّ الأبرز في احتضان الكتاب وخصوصاً الكتاب المستعمل لاعتبارات كثيرة، أبرزها البحث عن كتب المناهج الدراسية، التي ما إن تفتح الجامعات أبوابها إلا وترى سيلاً من البشر يتردّد على أماكن بيع وشراء الكتاب المستعمل إلى وقتٍ متأخرٍ من الليل، والتي تُعَد ظاهرةً بارزةً في مدينةٍ مترامية الأطراف كالرياض، والأمر ليس حكراً على الكتب والمناهج الدراسية فحسب!! بل حتى الكتب الأُخرى، كالثقافية والدينية والتاريخية وغير ذلك، بل إنّ المتابع لحركة البيع والشراء لهذه المكتبات يرى أنّ الكتاب المستعمل يلقَى رواجاً كبيراً من قِبَل المهتمّين بمتابعة الجديد والقديم.
فمن خلال تعاملي مع مكتبات الكتاب المستعمل لمدة تزيد على الخَمْسَ عشرة سنة، فإني تحصّلتُ على كتبٍ قيّمةٍ، وبسعر مناسبٍ، وكذلك أرى هذه المكتبات في ازدياد مطّرد، ذلك أنّ بعض أبناء المثقفين يضطرون لبيع مكتبات آبائهم لتعارض الميول بين الوالد والأبناء، أو لميول الأبناء إلى الطرق الحديثة في التعامل مع الحصول على المعلومة، كالمكتبات الإلكترونية وغيرها، حيث إني ومن خلال اقتنائي بعض الكتب فإني وجدتُ أسماء أصحاب بعضها، والبعض الآخر وجدت عليه إهداءات وتواقيع كُتّاب مشهورين.
وقد بات وضع الكتاب المستعمل يتطوّر إلى مراحل متقدمة، وذلك لحصوله على دعمٍ من قِبل الجهات المعنية، منها: جامعة الملك سعود التي دعمته هذه السنة في معرض الرياض الدولي للكتاب، إلا أنّ دور النادي الأدبي بالرياض يُعدُّ داعماً أكبر خلال ثلاث سنواتٍ مضت بالتعاون مع جمعية السرطان، وذلك من خلال إنشائه معرضاً للكتاب الجديد والمستعمل في آنٍ واحدٍ وبسعرٍ مناسب، وقد حظي بإقبال كبيرٍ من الجمهور باختلاف توجهاته، وهذا الإقبال الكبير يبشّر بالخير في ظل وجود الوسائل الحديثة، كذلك يُعَد دلالة على إيمان الجمهور بهذه الظاهرة الثقافية التي نرجو لها الاستمرار، واستنساخها في مناطق أُخرى من وطننا الغالي.