للخطاب المميز خلفيات وبناء وتواشيح وموضوعية، وله انعطافات لغوية ومفردات خاصة وبلاغة وجناس وطباق وتشبيه واستعارة، اعتمادا على مؤثرات صوتية يستخلص من ثناياها الأدوات الفاعلة فيوظف السرد ويستحدث الوصف، سعيا ووصولا لإنتاج صور ومعاني تزيد المتعة وتهدف للمضمون.
لقد شكل خطاب - حسن نصرالله - الأخير طابعا يشير إلى تكتيت في حاضنة أحلامه وفق مجريات الأحداث وشاهدا لحركة الوهم والتوهم الذي يعيشه نزوعا وتصرفا واعتقادا وإصرارا على الجزم بأنه ولد مع المخاض الكبير لنشأه الأحداث والتوازنات وله اختراع وتأثير، وأنه صاحب ظهور مميز يعرف كيف يتعامل مع المتغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية، وله شخصية مالكة ومتحكمة وعالية الفكر والمنطق يستطيع بها أن يسير الآخرين ويوجههم، حسب المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ووفق الأحداث الجارية، حتى أنه أصبح لصيقا دائما للشاشات الفضائية، معتقدا بأنه أصبح مرجعا وثائقيا ومعرفيا يضم في صدره وبين كتفيه جغرافية الأرض وتاريخ الكون والبشرية، وأنه العارف بالمناخ والتضاريس والفعل والحركة وصاحب الزمان والمكان، وله تميز بالمأكل والمشرب والملبس والدوافع والانفعالات واللثغة، وأنه هو الفاعل الوحيد للتطور والنمو والازدهار العالمي، ومكتشف الكواكب والمجرات والأجرام، والعارف بالرواية والقصيدة والنشيد، وأنه المبدع الذي يعطي للأشياء هيمنة وتوازن ومسار، ويستطيع جر المعاني وجزها وتفصيلها كيفما يشاء ويريد، وله القدرة على لصق الصفات والنعوت في ثنايا الحديث، وله مخيلة يستطيع بها وصف الظواهر والأحداث وفق بناء قصصي وتركيبة حوار وهلام خاطرة ونثر مقالة، وله الأدب كله والإبداع كله والإنشاء، وأنه وحده الناهض الثائر الطافق الهاتف بالتحرير من عبودية الرق والاستعمار والهيمنة، أن الدخول في عالم السيد - حسن نصرالله - والتجول في دروبه ومنعطفاته ودهاليزه يرسينا على معرفة أن هذا الرجل جنس - غير - انبثق من فراغ وعدم وليس من مخيلة غريبة وفريدة، وجاء من رحم الخرافة والأسطورة وطقوس العرافين وضاربي الودع، وألقى بنفسه في خضم وجود مرمز مليء بأحاجي وألغاز ليست لها حلول، حتى أنه شكل من نفسه هيكلية للسرد التخيلي والمادة الخرافية التي بنى على أساسها حياته وصورته وكيانه، مثل أسطورة (جلجامش) الخرافية وبناؤها السردي الذي ارتكز على أبجديات التهويل، إن تمخضات - حسن - الكلامية تشبه الليالي الطويلة في الشتاءات الأوروبية القارسة البرد، لكن لدية رغبة عارمة في الرقود على صور خيالات تتنامى في مخيلته وتتناسل على آمال عراض يصنعها هو بنفسه ويعتني بها بدقة متناهية على أمل الاستمتاع بها في الليالي التالية حينما يؤول ويرسو على جزئية الحكاية الغامضة المضببة، أنالحكايا والأساطير جاهزة لدية ينقلها لسانه عبر حديثه ويملك حيزا كبيرا للإضافة والحذف في ساعة يريد ويرى، راسما التفاصيل ومثيرا للفضول، محاولا أن يدخل الآخرين لكينونة التصديق، انه يخلق الحكاية ويأتي بالشخوص ويحرك الأحداث وفق رؤاه التي يؤمن بها، أن اتساع كلامه وتصويباته حتمتها الحاجة لديه إلى تبؤ المنبر للدفاع عن فرضيات وتقاطعات وأهداف وغايات يلتقي بها مع آخرين معنيين حتى لو تم الخروج عن المنطق والمألوف، وسيكون الآخرين في رأيه كلهم على خطأ وهو على صواب، أنها مشكلة الزهو وتراجيديا الكلام وكوميديا اللغة والحديث، أن السيد - حسن - يحاول دائما تكريس نفسه على أنه الموجه والمعلم والخبير وله تصوره الفريد واستشفافه النادر وعرضه للصراعات بكل عنفها وإرهاصاتها، متخذا طابعا تراجيديا يتجاوز به كل الأعراف الخطابية حد الاتهامات التي تشبه السهام، متخذا معالجة مبنية على أساس الحبكة ولم الخيوط الدرامية التي تبدأ باستهلال القصة وتركها طيلة المسار السردي منفرطة وهلامية وتدخل في اشتباك معقد تصاحبه وتسايره الحيرة المربكة ورسم الاحتمالات المفرطة، لقد مارس السيد - حسن نصرالله - منذ أمد طويل هذا الفعل في الحرق والاشتعال ووضع بصماته على ذلك ليقدمها للمتلقي بما يشبه النار والفتيل والدهن والحجر والبراكين الحامية، لنفسه ولحيزه ولمحيطة ولأشخاصه وغاياته وتطلعاته ليس إلا بعيدا عن هموم بائع الطحين وجامع العلب الفارغة وصاحب البنطال المهترئ، والكادح من أجل الخبز والسقف، وحامل الأحمال الخرافية على ظهره من أجل لقمة العيش والبيت والمبيت، عن هؤلاء كلهم يغمض - حسن - عينيه بقوة، باحثا لنفسه في متون التاريخ أقواس مفتوحة في الليالي البهيمة كالفاتح المجنون لجذوات القلق تحت رماد بهتان ومسايرة أرصفة تشبه الخراب الكبير، أن السيد - حسن نصرالله - يسبح في بحيرة آسنة ومالحة، ليس له ضوء ولا بهاء ولا ألق شمس في حصار غيوم.
ramadanalanezi@hotmail.com