* كلامي هنا؛ على دراسة علمية موثّقة، تناولت بالتحديد: (الأصول العلمية والعملية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وصاحبها هو الدكتور: (عبد الرحيم المغذوي)، أستاذ الدعوة وأصول الدين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. الجامعة إسلامية، والكلية للدعوة
والباحث هو من هذه الجامعة ومن كليتها، وليس أستاذاً في الأدب أو اللسانيات أو غيرهما من التخصصات، حتى نُمطر هنا بحجارة من: لكن ولكن ولكنّ..!
* هذه الدراسة؛ وصفت بأنها (وصفية تحليلية)، واعتمدت على نصوص صريحة من الكتاب والسنّة. تقول الدراسة في هذا الخصوص: (إن هناك نصوصاً من الكتاب والسنّة صريحة في المنع من التجسس، وتحريمه، وذلك لما في التجسس وتتبع عورات المسلمين من إفساد للناس، وكشف مستورهم، وفضح أسرارهم، ولما في ذلك من هتك واضح لحرمتهم، وتعد بيّن على حريتهم، وعدم احترام لمشاعرهم، ولما قد يفضي إليه التجسس وانكشاف الأخبار؛ من فتن وعدم استقرار في المجتمع المسلم الأمن).
* ويقول: (إن السلف الصالح - رحمهم الله- يتورّعون عن التجسّس، ويمتنعون عن تتبع العورات، وتفحص ما خفي من المنكرات، وذلك لدقة فهمهم، وسلامة علمهم، ورجاحة عقلهم، ووفورة فقههم).
* ثم يقول: (إن العلماء يفصلون في مسألة التجسس على أصحاب المنكرات، ويميزون بين حالتين، الأولى: من عمل منكراً واستتر في بيته، ولم يبده، أو يظهره، فهذا لا يجوز التجسس عليه، واستطلاع أمره، أو الإنكار عليه، بل يوكل أمره إلى الله تعالى، والحالة الثانية: إذا ظهرت أمارات المنكر، ولاحت علاماته، وارتفعت بيارقه، وعلت أصواته، وذلك كأن تسمع أصوات المزامير، أو يرتفع صراخ السكارى).
* ويقول كذلك: (إن مبدأ التجسس أمر منهي عنه، ولا يجوز للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يسلكه؛ بحجة إزالة المنكرات، أو التعرّف عليها وطلبها، ويعتبر حداً من حدود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن من أغلق بابه عليه، ومارس بعض المنكرات دون إبدائها وإظهارها، فليس للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر؛ أن يتجسّس لمعرفة المنكرات، بل يتركه ويوكل أمره إلى الله تعالى).
* والباحث يوصي في بحثه رجال الحسبة، ألاّ يؤدي عملهم في الأمر والنهي إلى مفسدة أو فتنة خاصة أو عامة، لأن ذلك مناقض للحكمة والهدف من عملهم، وهو مناقض تماماً لأحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية، لافتاً إلى أن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهميتها في المجتمع واضحة، وأنه ينبغي على الآمر والناهي أن يكون على علم كامل بطبيعة عمله ووظيفته، وأن يعمل جاهداً على تنفيذها، والإتيان بها على أكمل وجه، وألا يتجاوز نطاق عمله، وحدود مسؤوليته ووظيفته إلى غيرها من المسؤوليات والوظائف الأخرى.
* قرأت ملخصات عن هذه الدراسة ولم أطلع عليها، وتمنيت لو عُمِّمت على كافة فروع الهيئات، ليقرأها إخوتنا وأحبتنا في هذا الميدان، وهم الذين نكن لهم كل الود، ونتطلع إلى أن يرتقوا بأدائهم إدارياً وميدانياً إلى مستويات تنفع ولا تضر، وأن تحبّب فيهم ولا تنفّر منهم، وأن يصبح التوجيه والإرشاد والنصح في عملهم، مقدماً على الملاحقة والمتابعة والزجر، ومانعاً لإنزال العقوبة بأي كان من الناس، في أي مكان على هذا التراب الوطني الطاهر.
* مما يُبشّر بالخير، ويطمئن على مستقبل جهاز الهيئة، ما نراه ونلمسه في الآونة الأخيرة، من تصريحات تُنقل عن الرئيس العام الشيخ (عبد اللطيف آل الشيخ) حفظه الله، فمما جاء على لسانه في برنامج توجيهي لأعضاء الهيئة الميدانيين بالرياض، وجود توجه لإلغاء الدوريات السرية التابعة للهيئة، ووقف ملاحقة رجال الهيئة لأفراد مخالفين عبر استخدام السيارات في الشوارع، وأن الهيئة ليس لها الحق في منع أي فرد من دخول الأسواق، وأن (منع) دخول الشباب للمولات عمل خاطئ، أوجد مشكلة من لا مشكلة. إلى غير ذلك مما يصدر عن إدارته من تغييرات إيجابية بشكل مستمر. نسأل الله له ولكافة العاملين في هذا الجهاز التوفيق والنجاح.
* لقد قلنا مراراً وتكراراً، بأن ما أضرّ كثيراً بأداء وعمل رجال الهيئة، هو بلاغات المتعاونين وبعض الذين يدّعون أنهم محتسبون، ومن المُبلِّغين في المطاعم والمولات والمنتجعات وغيرها، من يقول بأنه يتقاضى جُعلاً شهرياً على بلاغاته..! وقد أثبت هذا اعتراف فضائي من الشيخ (محمد العريفي) الذي قال: (لنا في الفنادق وغيرها عيون تنقل لنا ما يدور فيها)..! هكذا قال: (لنا)، ولم يقل (لي)..! وهذه سقطة كبيرة إذا وجد من يدفع مقابل التجسس على العباد، سواء بمبادرة شخصية منه، أو من مؤسسات رسمية، وفي هذا فتنة كبيرة كما ورد في دراسة المغذوي هذه، وتربية اجتماعية غاية في السوء، وفيها فرصة لضعاف النفوس لتصفية حسابات مع خصوم، وإلحاق الضرر بالغير، ولهذا.. بودي لو تصبح دراسة الدكتور المغذوي محوراً لأوراش أعمال دراسية لرجال الهيئة في كل المدن.
* لن يستطيع أحد أن يقلّل من قيمة هذه الدراسة، لأنها قامت على أسس شرعية وأصول علمية، ولأنها تتحدث بما جاء في الكتاب والسنة، فالأمر الإلهي واضح في القرآن الكريم. قال تعالى من سورة الحجرات آية 12: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيم .
* وكما هو واضح، فقد جمع النهي الرباني في هذه الآية الكريمة، بين ثلاث حالات، لما بينها من التلازم والتجانس والأثر السيئ الناتج عنها. (الظن الآثم، والتجسس، والغيبة)، فالتجسس أصله ظن وريبة، والغيبة نتيجة طبيعية للاطلاع على عورات الناس وهتك أسرارهم، حتى يصبح الأمر كما لو أن المرء يأكل لحم أخيه وهو ميت - والعياذ بالله- ثم يأتي الأمر بعد النهي بالتقوى من الله عزَّ وجلّ، لأن في التقوى؛ توبة ورحمة من رب العباد.
assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com