بالأمس القريب كانت الشكوى المتواترة وبجلاء تتبدى في قلة المقاعد الدراسية في الجامعات السعودية، مما ترتب عليه عدم قدرة الجامعات على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب المتخرجين من الثانوية العامة، وأمام هذه الضائقة تعالت الأصوات في المجالس والمنتديات تطالب بالمزيد من تمكين الطلاب وإلحاقهم في الدراسة الجامعية، تمت الاستجابة لهذه المطالب، وتم التفاعل معها بفتح العديد من الجامعات في كل المناطق الإدارية، وعلى الرغم من أن جل الجامعات التي تم افتتاحها تحتاج إلى جهود كبيرة ومكثفة وعاجلة لتهيئة بنيتها البشرية والمادية، وهذه من التحديات العظمى التي يتطلب التغلب عليها المزيد من الجهد والوقت والمال، ومع هذا استطاعت وزارة التعليم العالي إلى حد ما امتصاص صدمة الأعداد الهائلة من الطلاب والطالبات الذين ينشدون مواصلة دراستهم الجامعية، من خلال التوسع في الطاقة الاستيعابية في الجامعات وخاصة المحدثة منها، كما أن لمشروع الملك عبد الله في الابتعاث إلى الخارج دور رئيس في تقليص قوائم الطلاب الراغبين في الدراسة الجامعية.
وبعد أن تنبه المعنيون إلى وجوب الالتفاتة إلى المطالب التي تعالت ممتعضة من عدم قدرة الجامعات على استيعاب خريجي المرحلة الثانوية، وما سوف يترتب على ذلك من مخاطر على الأمن الاجتماعي، لأن بقاء الطلاب الذين هم في سن التعليم الجامعي خارج مقاعد الدراسة يشكل خطورة على المجتمع، ولأن هذه المرحلة العمرية هي مرحلة الإعداد الفعلي للحياة، فكونهم يحرمون من تكوين أنفسهم علميا ومهاريا لممارسة أدوارهم المأمولة في التنمية يشعرهم بالإحباط، ويولد فيهم مشاعر الغضب والكراهية لمجتمعهم الذي يفترض فيه أن يكون قادرا على إتاحة الفرصة لكل واحد منهم أن يلتحق بالبرنامج الدراسي الذي يتوافق مع ميوله وقدراته ويتزود منه بالمعارف التي تجعل منه مواطنا صالحا قادرا على المنافسة والنجاح.
إن التأهيل العلمي والفني شرط رئيس لممارسة أي عمل مهما كانت طبيعته، لذا فإنه من المؤمل في السنوات القادمة التي نرجو ألا تطول، وبعد أن تستكمل الجامعات بنيتها المادية والبشرية وأخص التي تم افتتاحها مؤخرا، أن تكون مشكلة القبول في الجامعات قد تلاشت وغدت من خبرات الماضي.
وعلى الرغم من أن هذا يعد من المبشرات المفرحات لكل طالب وولي أمر، إلا أنه في الوقت نفسه يعني تدافع المزيد من أعداد الخريجين الشباب والشابات في مختلف التخصصات، وهؤلاء سوف يبحثون ويضغطون من أجل توفير فرص عمل، وهذا حق مشروع، لكن أين ستكون وجهتهم؟ وأين سوف تتجه رغباتهم؟ الإجابة واضحة، الكل يولي وجهه شطر وبإصرار نحو الوظيفة الحكومية، فهي المفضلة عندهم، وبناء على هذا، فإن الخشية المؤكدة أنه كما طالت بالأمس قوائم انتظار القبول في الجامعات، سوف تطول عن قريب قوائم انتظار التوظيف في وزارة الخدمة المدنية، وأخص الشباب الذين ما زال السواد الأعظم منهم يتطلع بشغف إلى الوظيفة الحكومية ولن يرضى بغيرها، يفضلها على غيرها لاعتبارات عديدة، يأتي في مقدمتها عدم الأمان الوظيفي في القطاع الخاص، وقلة الراتب، والتعسف في تطبيق الأنظمة، وهضم الحقوق، أما النساء فقوائم انتظارهن طويلة الآن، وسوف تطول وتطول في القريب العاجل، مما يستحيل معه استيعابهن مهما كانت فرص التوظيف التي يتم استحداثها سنويا، ما عدا المجال الصحي فهو المجال الذي ما زال في حاجة ماسة إلى المزيد من المؤهلات في التخصصات الطبية كافة على اختلاف مستوياتها الوظيفية.
إن قراءة أعداد الطلاب في مقاعد الدراسة الثانوية والجامعية وتحليلها ينبئ عن أن الأعوام القادمة سوف تشهد تزاحم الخريجين المتطلعين إلى التوظيف، وقبل أن تزدحم قوائم الانتظار بطالبي التوظيف، يفترض في وزارة الخدمة المدنية وبالتعاون مع وزارة العمل البحث في تجسير الفجوة بين طالب الوظيفة والقطاع الخاص.