ديفيد جروسمان *
هناك سؤال يطرح نفسه بقوة: هل من المفيد بالنسبة لإسرائيل أن تدخل في حرب مع إيران وهي الحرب التي لا تعرف عواقبها بالفعل؟ وهل يمكن أن تتجه إسرائيل إلى كارثة حاضرة لكي تمنع كارثة محتملة في المستقبل؟!
هناك بالفعل توازن رعب بين إسرائيل وإيران. الإيرانيون أعلنوا مئات المرات أن صواريخهم موجهة نحو المدن الإسرائيلية. ومن المنطقي الافتراض أن إسرائيل لن تظل ساكنة تجاه هذا التهديد. يقول الخبراء إن هذا التوازن يشمل الأسلحة غير التقليدية الكيماوية والبيولوجية. وحتى الآن فِإنه لم يتم انتهاك توازن الرعب القائم بين البلدين.
ولكن لا أحد يمكنه القطع بأن هذا التوازن سوف يستمر. كما أن لا أحد يمكنه القطع بأنه لن يستمر. ولا أحد يمكنه التأكد من أن السلاح النووي أو معرفة كيفية تصنيعه لن ينتقل من إيران في حالة حصولها عليه إلى منظمات إرهابية، كما أنه لا يمكن لأحد استبعاد احتمال قيام نظام حكم أكثر اعتدالا وواقعية في إيران بدلا من النظام الحالي. فالسياسيون يعملون الآن على أساس التخمينات والمخاوف. لا أحد يستطيع التقليل من خطورة هذه التخمينات ولكن هل يمكن أن تكون هذه التخمينات أساسا قويا لتحرك عسكري يؤدي إلى كارثة لا يمكن تخيل أبعادها؟
ففي إسرائيل لا يوجد أحد موقن تماما بأن أي عملية عسكرية إسرائيلية قادرة على القضاء تماما على كل القدرات النووية الإيرانية. كما أنه لا أحد يستطيع أن يعرف على وجه الدقة حجم الخسائر البشرية التي ستتعرض لها إسرائيل جراء الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي المنتظر. لذلك فإنه من المفيد أن نعيد التذكير هنا بالثقة المفرطة التي كانت لدى قادة إسرائيل في القدرات العسكرية والمعلومات المخابراتية حول إمكانية حزب الله الإيراني عندما شنت إسرائيل حربها الثانية ضد لبنان عام 2006 وكذلك الفشل الإسرائيلي في التنبؤ بمصير الحرب الأولى ضد لبنان والتي ورطت إسرائيل في احتلال جزء من الأراضي اللبنانية لمدة 18 عاما عانت خلالها من نزيف خسائر مستمر.
فحتى لوتم تدمير البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني في الهجوم العسكري فإنه من المستحيل تدمير المعرفة النووية التي حصلت عليها إيران طوال السنوات الماضية. وهذه المعرفة وهؤلاء الذين يمتلكونها سوف تقوم من تحت الرماد وسوف يغذيها في هذه المرة إحساس قوي بالإهانة ورغبة أقوى في الانتقام من إسرائيل بأي صورة ممكنة.
فإيران كما نعلم ليست مجرد دولة أصولية، وإنما هناك قطاعات كبيرة من الشعب علمانية ومتعلمة ومنفتحة. وهناك طبقة وسطى كبيرة تشمل الكثيرين من الناس الذين يخاطرون بحياتهم في مظاهرات شجاعة ضد نظام الحكم المستبد ويريدون الإطاحة به. لا أدعى أن الشعب الإيراني يحمل أي تعاطف تجاه إسرائيل لكن في الوقت نفسه فإن هذا الجزء من الشعب الإيراني يمكن أن يصبح هو الذي يقود إيران في مرحلة ما من المستقبل وربما يقيم علاقات جيدة مع إسرائيل. ولكن أي هجوم إسرائيلي على إيران سوف يقضي على هذا الاحتمال لسنوات عديدة مقبلة حتى بالنسبة للمعتدلين في إيران. وسوف تصبح إسرائيل بالنسبة لجميع الإيرانيين دولة متغطرسة ومصابة بجنون العظمة وعدو تاريخي يجب محاربته إلى ما لا نهاية. فهل هذا الاحتمال أكثر خطورة من إيران نووية أم أقل منها خطورة.
أنا لا أحسد رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع وباقي أعضاء الحكومة الإسرائيلية، فهناك مسئولية حتمية ملقاة على عاتقهم. ولكنني أفكر في حقيقة أن هذا الموقف يستند أساسا على مجموعة من الشكوك والغموض وأن الشيء الوحيد المؤكد هو الخوف. وهناك إغراء قوي لدى الإسرائيليين لكي يتشبثوا بهذا الخوف ولجعله يقودهم. أنا متأكد من أن هؤلاء الذين يؤيدون فكرة توجيه ضربة عسكرية لإيران يبررون ذلك على أساس أنه سيقضي على احتمال تعرض إسرائيل لكابوس مروع في المستقبل. ولكن هل يحق لأي شخص أن يصدر قرار بقتل عدد كبير من البشر لمجرد الخوف من احتمال يمكن ألا يحدث أبدا؟
* (الجارديان) البريطانية