حاوره: منير الحافي
يستقطب الوضع السوري باستمرار اهتمام مختلف الدوائر العالمية المؤثرة، وكان من الطبيعي أن يكون للجوار العربي دور فيما يحدث حيث ينظر الكثيرون بتقدير شديد إلى الدور المتفرد للمملكة بهذا الصدد، والذي يقول عنه العلامة اللبناني السيد علي الأمين أنه ينطلق من الحرص على حفظ الدم السوري..
الأمين تحدث إلى «الجزيرة» عن مختلف التعقيدات التي يدفع بها الوضع السوري إلى الساحة العربية والدولية، باعتبار أن ما يجري يمثل جزءا من حراك عربي واسع النطاق جرى التعارف على تسميته بالربيع العربي الذي يبدو أنه يتمدد حتى إلى الجوار الايراني، كما يرى الأمين في هذا الحوار:
* فيما يتصل بالوضع في المنطقة، كان واضحاً موقف خادم الحرمين الشريفين بشأن التطورات في سوريا، وهناك من يعتقد أن خطاب الملك عبد الله فتح المجال واسعاً لضغط خليجي لاسابق له على النظام السوري من أجل وقف العمليات العسكرية ضد المدنيين. كيف تقرأ الموقف السعودي والخليجي عموماً؟
- موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بشأن الموضوع السوري ينطلق من حرصه على وقف نزيف الدماء الذي يُنذر استمراره بأفدح الخسائر والأضرار على سوريا كلّها، ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وهو لذلك رفع الصوت عالياً من أجل وضع حدّ للمأساة مع ضرورة أن يصغي النّظام إلى صوت شعبه المطالب بحقوقه المشروعة في الحريّة والعدالة.
وسطاء وحلفاء
* انطلاقاً من ذلك، ما هو تصوركم بشأن مآلات الأوضاع في سوريا؟ وهل ستتغير برأيكم مواقف الروس والصينيين عن تلك التي انتهت إلى الفيتو سابقا في مجلس الأمن، وذلك من أجل التأثير في الأحداث السورية بطريقة أخرى؟ خاصة وأن هناك من يعتقد أن روسيا والصين ستقتنعان في النهاية بضرورة تغيير النظام ؟
- إن استمرار النظام السوري في اعتماد الحلّ العسكري سيؤدّي إلى تعقيد الأمور، وربما إلى خروجها إلى مسارات لا تُحمد عقباها، ولن يفلح النظام بهذه الطريقة في الحفاظ على صيغته القائمة في كلّ الأحوال، ولذلك فليس من المستبعد في ظل تزايد الضغوط الدولية والمعطيات الداخلية أن تغيّر كلٌّ من روسيا والصين من سياستها المعلنة تجاه النظام، وربما في وقت غير بعيد. ومن المؤشرات لهذا التغيير، بداية تحولهما من دور الحلفاء إلى دور الوسطاء بين النظام والمعارضة.
إيران كما هي
** كيف ترون الموقف الإيراني من الأزمة السورية؟ وهل تعتقد حقاً أن إيران تبعث بمقاتلين لمساعدة الجيش السوري النظامي، خصوصاً أجهزته الأمنية؟
- لا يُخفي النظام الإيراني وقوفه إلى جانب نظام الأسد، وهو من الأمور المستغربة، من نظام وصل إلى السلطة من خلال حركة شعبيّة طالبت بالحرية والعدالة، فكيف لا يكون منحازاً إلى جانب نفس المطالب الشعبيّة في سوريا؟! ونحن لا نعتقد أن النّظام السوري وصل إلى درجة من الضعف يحتاج معها إلى مساعدات من المقاتلين الإيرانيين وغيرهم، وهي مجرّد أخبار تناقلتها بعض الوسائل الإعلامية وليس عليها دليل ملموس من مصادر مستقلّة.
* هل ترى أن إيران التي تعززت فيها قبضة المحافظين بعد نتائج انتخابات مجلس الشورى وفوز مؤيدي خامنئي، يمكن لها في النهاية أن تقتنع بالتخلي عن دعمها للنظام السوري ؟ وكيف سيحدث ذلك؟
- من المستبعد جدّاً في ظل ازدياد سلطة المحافظين أن تتغيّر سياسة النّظام الإيراني في تأييد النظام السوري.. نعم إذا تغيّرت الموازين الدّاخليّة والدّوليّة فإنّ النظام الإيراني سوف يتخلّى عن حليفه السوري حينئذٍ ولن يتمسك به.
المطلوب من لبنان
* في لبنان جرى مؤخراً تحرك للشيخ أحمد الأسير وأنصاره لدعم الشعب السوري، وقد قوبل ذلك بتحرك مضاد في الساحة نفسها (ساحة الشهداء وسط بيروت) لدعم نظام الأسد. هل تعتقد أن لبنان سينأى بنفسه في النهاية عما يجري في سوريا في ظل هذه التطورات؟ وما المطلوب من الحكومة اللبنانية في مجال مساعدة النازحين خصوصاً وأن المجتمع الدولي يطالب بيروت بمساعدتهم حتى لو كانوا أعضاء من المعارضة السورية.
- مأساويّة الأحداث الجارية في سورية ودمويّتها تفرض على الساحة اللبنانية وغيرها التأثّر بها والتعاطف معها، وليس باستطاعة الحكومة اللبنانية أن تبقى على الحياد في هذه المسألة الإنسانيّة القريبة منها جغرافياً والمتداخلة معها اجتماعياً.
وأعتقد أن الحياد المطلوب يتمثل في عدم إدخال لبنان في صراعات المحاور الإقليمية والدّوليّة، وليس في إخراج لبنان من منظومة المبادئ والقيم الأخلاقية وحقوق الإنسان التي تفرض عليه أن يكون إلى جانب الشّعوب المطالبة بالحريّة والعدالة رافضاً للقمع وسفك الدّماء.
ونأمل أن تنتهي الأوضاع المأساوية في سوريا لأن استمرارها سيُفاقم من الأخطار في الداخل السوري ويمكن أن تكون له انعكاسات تتجاوز الساحة السورية إلى المنطقة وليس فقط لبنان. ولذلك فإنّ الدّولة اللبنانيّة يجب أن تقوم بدورها في بسط سلطتها وإثبات حضورها بالشكل الذي يمنع من حصول تلك الانعكاسات المحتملة على الساحة اللبنانية.
الربيع في بداياته
* بصورة عامة كيف ترون الربيع العربي؟ وهل تعتقدون أن الشعب العربي سيسير إلى نهاية المطاف بهذا الشأن ؟وما هو تقييمكم لما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن؟
ـ يجب إعطاء الفرصة للقوى التي أنتجتها حركات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن حتّى تطبق برامجها قبل الحكم النّهائي عليها فلا تزال التجربة في بداياتها.
على كل حال، فإنّ ما تكشف عنه حركة الشعوب العربيّة من تنام لدرجات الوعي والشجاعة من خلال رفض الاستبداد والمطالبة بالحريات الديموقراطيّة والعدالة الاجتماعية يبشر بمرحلة جديدة في قيام العلاقات وبناء الدول على أسس من التعددية والاحترام لحقوق الإنسان.
تمدد الربيع
* هل تعتقدون بإمكانية وصول هذا الربيع إلى ايران؟ رغم أن هناك من يعتقد أن الربيع بدأ فعلاً في إيران من خلال «الثورة الخضراء» التي تم إخمادها.
- الكثير من شعوب العالم ستتأثر بهذه النهضة خصوصاً القريبة من العالم العربي كإيران الّتي بدأت فيها الحركة الخضراء في الاعتراض على قمع الحريّات ومنع المعارضات من المشاركة في الحياة السّياسيّة، لذلك فإنّ الرّبيع العربي سوف يشجعها على العودة إلى السّاحة مجدّداً ويعطيها الدّعم المعنوي في سعيها للإصلاح والتّغيير.
تميز الجنادرية
* لن نبتعد كثيرا عن السياسة ولكن كنتم وكنا في عداد الوفد السياسي والإعلامي الذي شارك في مهرجان الجنادرية الثقافي، وكان لنا شرف لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - والتواصل مع فعاليات سعودية وعربية.. بماذا تميز المهرجان هذه السنة برأيكم؟
ـ مهرجان الجنادرية، يتجاوز في أهميته البعد الوطني السعودي له إلى كونه مؤتمراً للتواصل والتعارف بين قطاعات عديدة من المفكّرين والعلماء والمثقفين من مختلف الأقطار والثقافات والمذاهب والأديان، يجري الحوار بينهم في قضايا عديدة تساهم في زيادة الوعي وتقديم التصورات والحلول للكثير منها، وقد تميز المهرجان في هذا العام بحواراتٍ هامة تناولت الربيع العربي وآثاره الإيجابية على دول وشعوب المنطقة.