تخيل نفسك وأنت مسافر، أن تصعد إلى الطائرة وتجلس في مقعدك، فتفاجأ بشخص يدخل الطائرة ويحمل بيده بطاقة مكتوباً عليها اسمك ونفس رقم مقعدك، بل ومعه بطاقات الحقائب الموجودة في خزانة الطائرة باسمك، وأنت لا تعرف محتواها، ولا تعرف الشخص ومن يكون؟!
هذا الموقف أعلاه ليس قصة من نسج الخيال، ولا مشهدا من فلم عربي أو هندي، بل هو مشهد واقعي حدث معي شخصياً قبل أكثر من شهر على الخطوط السعودية، وأنا مسافرة مع أسرتي إلى مدينة جدة، فإذا برجل يقبل علينا ويحمل بطاقة صعود الطائرة باسم ابني ويحمل حقائب لا نعرف ما فيها باسم ابني أيضا، وكل ما استطاع فعله “المدراء” الذين اجتمعوا لحل هذه القضية هو البحث للراكب عن مقعد دون النظر لأي اعتبارات أخرى، مثل التزوير الحاصل، والتأخير الذي واجهنا حينما تم رفض قص بطاقة صعود الطائرة بحجة أنه قد تم قصها، ولا المشاوير المرهقة في شوارع مزدحمة تحفها التحويلات والحفريات إلى مكتب الخطوط السعودية، وكل هذا دون أن نعرف أسباب ما حصل، إلى أن أتى الرجل ودخل الطائرة وبيده بطاقة مقعد وبطاقات حقائب باسم ابني!
طوال الرحلة وأنا أكتب ما حدث ليتم رفعه إلى “المدراء” المسؤولين، وكل الذي حصل بعد ذلك هو اتصال وردني من شخص من إدارة الخطوط يطلب مني البريد الإلكتروني ليبعث برسالة اعتذار، وحتى اليوم لم تصلني الرسالة، ولا اعتذار، ولا غيره، بل إن ما يحدث -فعليا- هو أن الخطوط السعودية والعاملين بها يمنحونك شعور المتفضل عليك حينما تسافر معهم، وكأنك لم تدفع أي مبلغ نظير السفر، كأنك مسافر “ببلاش” لأنهم يمتلكون القدرة على إشعارك -رغما عنك- بجميل لن تنساه مدى الحياة، ألا وهو الحصول على مقعد لتسافر عليه، يتبع هذا “أص ولا كلمة” فليس من حقك أن تستنكر أو ترفض أي خطأ مقصود أو غير مقصود، وليس من حقك أن تعترض على تلك الحقائب التي لا تعلم ما بها وهي تسافر بكل أريحية باسمك أو باسم أحد أفراد عائلتك، ثم من أنت أيها المسافر لتنتظر على بريدك الإلكتروني خطاب اعتذار؟ بل عليك أن تكتب لهم أنت اعتذارا لأنك أزعجت أصحاب المعالي والسعادة العاملين بالخطوط السعودية!
في الحقيقة، إن ما يحدث في الناقل -الوطني- من أخطاء شنيعة تُدمي القلب وتؤلم، والأكثر من ذلك هو ردة الفعل التي لا تراك سوى “مُزعج” وليس لك الحق في أي شيء طالما تم التفضل عليك بمقعد خصوصاً في رحلة داخلية. إن المقارنة صعبة ولا أريد الذهاب بعيداً بالمقارنة مع خطوط لا تملك الخطوط السعودية ولا من يعمل بها “الفكر” الذي يجعلهم يصلون إلى مصاف تلك الخطوط، لذا سأعطيكم موقفا بل درسا من خطوط “الخليج” التي أشبهها بالعنقاء التي نفضت التراب لتخرج بأفضل خدمة، مع أنها خرجت من العدم ومن خسارة كانت في سنوات سابقة لا يمكن التصور بأنها ستخرج منها بأرباح، فقد سافرت عليها مع عائلتي في إجازة الحج الماضية إلى إحدى الدول الأوروبية وفوجئت حين وصولي أن الحقائب لم تصل، وذلك بسبب أن وقت الترانزيت من الرياض في مطار البحرين لم يتجاوز الساعة، اتصلت بالمطار لأستفسر عن الحقائب ورد علي فورا موظف أبلغني بوجودها وأن الرحلة التالية للمدينة التي نزلنا بها بعد يومين، مما يعني أننا سنبقى هذه المدة بلا حقائب، كان موقفا مزعجا جداً، لكن ما حدث بعد ذلك أزال كل الألم وذلك العتب، ففي اليوم التالي وفي أقل من 24 ساعة وجدت الحقائب كاملة في الفندق، أي أن الحقائب لم تنتظر يومين لإرسالها في الرحلة التالية، بل تم تغيير مسار رحلة لتقف من أجل تنزيل الحقائب. أسرد هذا الموقف الراقي في التعامل وفي احترام المسافر لأجل أن يتعلم منه إخوتنا في الخطوط السعودية أبجديات احترام الراكب، وليس بالضرورة أن يكون هذا في خطوط طيران أجنبية أو عالمية بل إنها خطوط طيران قريبة منا وخرجت من ركام الديون بل ومن دولة كانت تعج بأحداث سياسية مزعجة، مع ذلك لم تنسَ حقوق المسافر ولم تقلل من أهميته.. يا ترى لو حدث هذا الموقف على الخطوط السعودية فهل سيجد المسافر حقائبه؟ وهل يمكن أن يتم توصيلها له إلى الفندق؟
www.salmogren.net