استقالة رئيس، أو مدير، أو عضو من الأعضاء، قد تكون في بعض وجوهها شرفاً وشجاعة، وهي بطبيعة الحال جزء من ثقافة المجتمعات والشعوب الراقية، بل إنها في كثير من صورها نتيجة تأصل قيم المواطنة الصالحة، وتطبيق عملي لأسسها، حيث تنم عن الانتماء الصادق للوطن، والحفاظ على مقدراته، ومقوماته، ومكتسباته، واستمرار تلاحمه وتكاتفه،
وشعور دقيق بأهمية الإيثار، وفسح المجال للآخرين، لتقديم أفضل ما يمكن تقديمه للإنسانية.
تحت دوافع معيّنة، وعوامل متعددة، يقدّم المسؤول استقالته، إما لظرف صحي، أو اجتماعي، أو لقصور في أداء مؤسسته، أو خلل فيها، أو عدم قدراته على مواكبة واستيعاب التطور السريع من حوله، وقد تكون لوناً من الاحتجاج على منهج محدد، تأبى قيمه، وأخلاقه المداهنة، أو المواربة والمجاملة حياله، ومن النادر أن تتكاتف هذه العوامل جميعها، أو تتجسّد في شخص ما. ولنا أن نبحث بعد ذلك، أيّ هذه الأسباب تكون الاستقالة فيها ضرباً من ضروب الشرف والشجاعة، والتضحية بالوجاهة إن وجدت؟ ومَن تلك الشخصيات التي رصدها لنا التاريخ ضربت لنا المثل الأعلى في هذا لسلوك؟ هذه الأسئلة نتركها للقارئ، دون أن نذكر، أو نملي عليه شيئاً من ذلك.
تلوّح بعض الشخصيات بالاستقالة، وتهدد بها، وتسوّق لها بطريقة غير مباشرة، وربما يكون هذا الأسلوب محموداً، أو مقبولاً، حينما يكون ذلك الموقع الذي تسنّم ذروته ناله بالترشيح، أو عن جدارة، محمولاً صاحبه عند زفه إليه على الأعناق. فيما عدا ذلك من الإشارات والتلويحات، فإنه ينبئ عن اضطراب في شخصية القائد. والمزايدة في هذا الموضوع، أو ركوب المناورة فيه، عواقبه وخيمة، ولا تشيء عن سلوك سوي، أو ثقة بالنفس مطلقة. الأجدر بالإنسان أن يتخذ الخيار، أو القرار، وله فيما بعد أن يصرّح، أو يلمّح بما شاء، وبما يخدم مجتمعه ووطنه.
لابد أن نؤمن جميعاً أن الإنسان مهما كان، لديه طاقة، وقدرة محدودة، تبدأ تتراجع لأسباب كثيرة، تتجدد أحياناً، وبشكل نسبي عند تغيير النشاط وطبيعته.
الاستقالة في أوج النشاط شرف، تجعل الإنسان محموداً في سيرته، وتحفظ له في أوساط مجتمعه قيمته ووطنيته، ومن المؤكد أنّ التاريخ يحتفظ بسجلاته لهذا النمط من الناس، ويتخذ من سلوكها مدارس تنطلق منها نظريات الإدارة، وأمثلتها حين تساق.
هناك حالات، أو مواقف حينما يقدّم المسؤول استقالته يسيء للوطن بتوقيته أحياناً، سواء كان ذلك بقصد، أو بدون قصد منه، وقد تأخذ الاستقالة منحى تآمرياً حينما تقدّم بصورة جماعية، تتعارض مع المصلحة العامة. لكن الخلاصة أننا سنحني هاماتنا إعجاباً، وإكباراً، وتقديراً، لمن يؤثر مصلحة الوطن على مصلحته، لأنه سيخلق لنا بسلوكه الفذ أنموذجاً آخر من المواطن، غير تلك النماذج المرتسمة في أذهاننا عن المسؤول ونظرته للموقع الإداري.
dr_alawees@hotmail.com