البدايات الضعيفة للإنترنت ومحدودية سرعته لم تدل على أن هذا العالم الافتراضي الصغير بطيء الحركة سيتحول إلى إمبراطورية عظيمة تبتلع داخلها الأخبار والمعلومات والحقائق والآراء والأفعال وردودها, والمقاطع الحية والميتة والصور القديمة والحديثة, ثم تفرض سطوتها وتحكم سيطرتها وتنفرد بميزات أتاحت للإعلاميين الجدد وهم بالطبع خليط من الرسميين والشعبيين أن يخطو بعيدا عن الإعلاميين التقليديين بالاستفادة من السرعة الهائلة في نقل الرسائل الإعلامية والحرية المتاحة دون وجود سقف معين أو ضوابط، وتعدد الوسائل المتاحة لعرض الأفكار والتفاعل والتواصل المباشر والحصول على ردة الفعل آنيا.
الدخول إلى إمبراطورية النت لا يحتاج لواسطة ولا تدقيق في الأسماء والجنسيات والأعراف, ولا تقديم مسوغات أو جواز أو هوية وطنية, لذلك لن نستغرب إذا ما علمنا إن 51% من السعوديين يستخدمون النت في التصفح والتواصل وانجاز الأعمال المختلفة, فالعدد يصل حسب الإحصاءات التقريبية إلى 13مليون مستخدم سعودي يتنقلون بحرية مطلقة عبر خلايا الشبكة العنكبوتية وبلا رقابة, ومعظمهم بأسماء مستعارة يحصلون على كل ما يريدون من أخبار ومعلومات وحقائق وآراء وتحليلات وأفلام ومقاطع يوتيوب وبرود كاست، ولا يكتفون بإشباع هذا النهم بل إنهم يشاركون في الصياغة والكتابة والإنتاج والإخراج والحذف والإضافة، وهذا في نظري أكبر تحدي يواجه الإعلام التقليدي بأدواته المتخلفة نسبيا قياسا بأدوات ووسائل الإعلام الجديد, إذ لايزال يعيش حالة مفاوضة بيزنطية مع الجهات الرسمية لرفع سقف الحرية المتدني وهو سقف لا يرضي القراء, ولا يحقق طموحاتهم في عصر الانفتاح الإعلامي, في وقت تتحرك فيه قوافل الإعلام الجديد عبر إمبراطورية النت من الأرض إلى الفضاء دون سقف, السقف الوحيد هو أخلاقيات المستخدمين واحترامهم لكل الممسكين بالنهايات الطرفية, وما عدا ذلك فالحرية متاحة لكل صاحب حساب في التويتر أو الفيس بوك وفي المواقع الإلكترونية، والإعلام التقليدي بطيء الحركة تحكمه قواعد تنظيمية بحاجة كي يتخلص منها ليبدو أكثر رشاقة وحيوية وسرعة, ففي توتير مثلا حيث تتدفق المعلومات بسرعة هائلة لا أحد يقود أحد فالكل متبوعون لهم أتباع والكل أتباع لهم متبوعون فأنت متبوع عندما تملك المعلومة ومنح الفائدة لغيرك, وعندما تجد نفسك في حاجة ستبحث عن متبوعين جريًا وراء الجديد, وفي ثواني معدودة ستجد ما تبحث عنه.
السؤال المطروح هل سطوة الإعلام الجديد ستقضي تمامًا على الإعلام التقليدي وخاصة الصحف؟
الجواب في رأيي أن الإعلام التقليدي القادر على تجديد وسائله وأساليبه, ومنح مزيد من الحرية واستخدام الوسائل السريعة سيكون في مأمن.. الصحافة حاليا لا تسيطر على الأخبار فمهما بلغت سرعتها لن تواكب سرعة الانترنت وقنوات الفضاء في الوصول إليها وبثها, لكنها مازالت تسيطر على الرأي وتملك القدرة على توجيهه والبحث فيما وراء الأخبار وهي ميزة لازالت تنفرد بها, لكن إسرافها في الرقابة قد يحرمها مستقبلا من هذه المزية, وإصرار بعض الكتاب على الكلاسيكية في الطرح أحد أهم المعوقات, إذ لابد أن يجدد الكاتب في الصحف الورقية نفسه بطرح الموضوعات الحية الساخنة ويقدم التحليلات العصرية وإلا سيجد أن مقالاته في نهاية الأمر مجرد سطور لملء الصفحات الفارغة لا أكثر.
الصحيفة التي سترسخ أقدامها وتواصل نجاحاتها من تمتلك موقعًا إلكترونيًا مميزًا سهل الاستخدام منفتحًا على كل تقنيات الإعلام الجديد, ومزودًا بقدرات على التحديث الفوري على مدار الثانية وتفاعل سريع وآني مع القارئ.
shlash2010@hotmail.comتويتر abdulrahman_15