حتى هذه اللحظة لا أفهم لماذا نتحفظ عن التشهير بمن أهلك الناس أو كاد أن يفعل؟ ومنذ أن قرأت خبراً صحفياً بعنوان: تطبيق عقوبة الحد الأعلى على (المطعم الشهير) الذي ضبطت فيه كمية 3250كجم من اللحوم والأجبان والصلصات منتهية الصلاحية، ودهشتي تزداد عن هذا التحفظ على اسم مطعم أو شركة أو جنسية عامل أجنبي، يرتكب جريمة، بينما لا نتردد بتسمية السعودي ونسبه وقبيلته حينما يحكم عليه بالقصاص.
من قتل رجلاً يستحق القتل والتشهير، وكلنا ندرك حديث المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، حينما قال: (لئن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم). ومعنى ذلك القتل، والتسميم المحتمل لأكثر من ثلاثة آلاف مواطن، يعني موت بعضهم، ومع ذلك نتحفظ على الاسم التجاري للمطعم كي لا تبور تجارته، أليس ذلك من التبريرات العابثة، وغير المنطقية؟
ثم إن هذا التحفظ يأتي على الصحف ووسائل الإعلام الرسمية فقط، لكن المواقع الإلكترونية ذكرت اسم المطعم مراراً، وانتشر بين الناس، بل حتى المواقع الإلكترونية للصحف الورقية التي تحظر ذكر الاسم، وعبر تعليقات القراء، صرحت باسم المطعم الشهير مراراً، ولعل الغرابة والتناقض يكتملان أنني هنا، وفي زاويتي هذه، وفي معرض حديثي عن المطعم الشهير إياه، فإنني لا أملك أن أذكر اسمه، بل حتى لو ذكرته فإن قلم الرقيب سيمد عنقه ليشطب الاسم فوراً.
والدهشة المضاعفة، أنكم أيها القراء الأفاضل، القارئات الفاضلات، تملكون أن تكتبوا اسم المطعم في تعليقاتكم على مقالي هذا، وتقولوا ما لم أملك أن أقوله، لأن لدينا رقابتان، بل عشرات الأنماط من الرقابة، رقابة رسمية ولها فروع وحالات، ورقابة اجتماعية ولها أيضاً فروع وحالات، تعالوا نتحدث على المستوى الشخصي لأفراد مجتمعنا، فقد نجد من يحرِّم دور السينما في البلاد، ويرفض إقامتها قطعياً، هو أول من يطوف بأولاده من صالة عرض إلى أخرى في البحرين والإمارات وقطر وغيرها.. فلا أعرف لماذا يحظر هذه الدور على نفسه وجيرانه، لكنه يبيحها له ولجيرانه في الدول المجاورة، هكذا نحن متناقضون بشكل هستيري!
أعود إلى موضوع المطعم الشهير، لو كان نظام البلد يبيح أن يعلن اسم المطعم في الصحف ووسائل الإعلام، ونشر إعلانات عن جريرته واعتذاره عن ذلك، وعلى حسابه الخاص، فإن العقوبة ستكون مؤثرة جداً عليه، في خسارة زبائنه، وصعوبة تعويضهم على المدى القريب، وسيكون ذلك درساً رائعاً لغيره من المطاعم الشهيرة والمغمورة، وسيكون مدير المطعم أو حتى مالكه هو من يفتش بانتظام على المواد المستخدمة لديه، خوفاً من جولة تفتيشية مفاجئة تقوم بها الجهات المختصة، ويحدث ما لا يحمد عقباه، هكذا سنكون أكثر الدول تقدماً في الحفاظ على النظافة والصحة العامة، عبر فرض قوانين مشددة وتطبيقها.
أكاد أجزم، ويجزم معي قراء كثر، أن عقوبة إغلاق أبواب المطعم عشرة أيام، ومصادرة المواد المنتهية الصلاحية، وغرامة مالية متواضعة، لا تعني أكثر من عبارة «عساك سالم» التي نرددها دائماً، بمعنى أنه لا أحد حولك، وأن الحياة عندنا تمشي بالبركة!