* تعيش الأسر السعودية منذ أكثر من عامين، معاناة لا يعرفها ويدرك أبعادها إلا من ذاق مرارتها، وكان الكل ينتظر أن تأتي الحلول من وزارة العمل، فهي المعنية بالبحث عن بدائل للبلدان التي كانت مصدراً للخادمات والعاملات،

ثم توقفت عن ذلك لأسباب تخصها أو تخصها وتخصنا معاً، إلا أن الوزارة تبدو وكأنها بطيئة في البحث عن حلول، حتى رأى البعض أنها تأخذ موقف المتفرج الذي لا يهتم كثيراً بما حوله، وحتى الساعة؛ لا توجد مؤشرات على انفراج في هذه الأزمة الحقيقية.

* إضافة إلى معاناة الأسر، خلقت الوزارة معاناة جديدة لقطاع كبير من صغار المشتغلين والمستثمرين في الزراعة وتربية الماشية، فقد فاجأتهم مؤخراً بفرض شروط أقل ما يقال عنها إنها مضحكة ومجحفة. فهي مضحكة لأنها تفترض موظفين وأصحاب رءوس أموال في سوق تربية الماشية والزراعة الفردية، ومجحفة لأنها تهضم حقوق آلاف الناس الذين لا شغل لهم إلا استزراع بليدات صغيرات لهم، أو تربية عشرات ومئات الماشية، لتدر عليهم ما يستر حالهم ويوفر لهم ولأسرهم العيش الكريم.

* كأن مربي الماشية، لم يكفهم غلاء الأعلاف والشعير، ولا كلافة التربية والتسمين، وكأن المزارعين لم يكفهم الجفاف وغور المياه ونضوب الآبار، ليجد هؤلاء وهؤلاء أنفسهم أمام خيار واحد لا مفر منه: (التخلي عن هذه المهنة في التربية والتسمين والزراعة، والبحث عن أعمال بديلة لدى وزارة العمل، التي ربما تجد لهم أمكنة في برنامج حافز إذا انطبقت عليهم الشروط، أو ليبقوا في منازلهم على حسنة المحسنين)..!

* الجديد في هذه الشروط المفاجئة والغريبة، التي أصابت صغار المربين والمزارعين في مقتل حقيقة، أن من يرغب في الحصول على تأشيرة استقدام عامل رعي أو عامل زراعة، عليه أن يثبت أنه (هو وليس غيره)، موظف براتب لا يقل عن (5000 ريال)..! أو يقدم بياناً بحركة حسابه في البنك، تثبت أن متوسط رصيده الشهري خلال ستة أشهر لا يقل عن (35000 ريال)..! أو بمجموع قدره (210000 ريال)..!

* من قال لهذه الوزارة الحريصة على مصلحة الوطن والمواطنين، إن كل من اشتغل بتربية الماشية وزراعة الخضار والفواكه، يعرف طريق البنك، أو أن له حساباً فيه، أو هو بالضرورة موظف بمرتب شهري لا يقل عن خمسة آلاف ريال، أو لديه رصيد لا يقل عن مئتين وعشرة آلاف ريال..؟!

* لو أن أحدهم وجد وظيفة بثلاثة آلاف ريال- وليس بخمسة، كما تفترض وزارة العمل، لما عنى نفسه وراء المواشي أو حفر الآبار وحراثة الأرض وزراعة ما قد يأتي أو لا يأتي..! لنحكم العقل في هذه المسألة يا معالي وزير العمل ويا مسئولي وزارة العمل. ما العمل وأنتم اليوم تضيقون الخناق على شريحة كبيرة من المواطنين..؟ شريحة لا شغل لها ولا دخل لها إلا ما هي عليه منذ عشرات السنين من تربية وتسمين وزراعة، ولو أنتم جعلتم هذه الشروط على كبار المستثمرين المسجلين كتجار برءوس أموال معلنة ومعروفة، لشددنا على أيديكم، ولكن أنتم وغلاء أسعار الأعلاف والشعير، وأنتم والجفاف ونضوب الآبار تصطفون في صف واحد ضد شريحة كبيرة من المشتغلين والمسترزقين من هذه الصنعة في هذه الظروف الصعبة. إن هؤلاء هم أصحاب مشاريع فردية صغيرة، تشكل بنية اقتصادية مهمة للغاية، وهم لا يتلقون أي دعم من أي جهة، وليس من السعوديين من يقبل بوظيفة راع أو مزارع، فهم مضطرون للاستقدام، فلماذا لا يشجعون، ويرفع عنهم هذا التعجيز والتعسير بهكذا شروط..؟

* المواطن (مسعود بن عبد اللطيف الثمالي)، واحد من آلاف المتضررين الذين يقفون على أبواب فروع وزارة العمل بشكل يومي وهم حائرون لا يدرون ما يفعلون، إلا أن يأتوا بمواشيهم ويسلموها لفروع الوزارة تتصرف فيها، ومن ثم يأتون بأولادهم وأسرهم لمسؤولي الوزارة في فروعها لتتولى إسكانهم وتربيتهم ورعايتهم، بعد أن يفقد آباؤهم مصادر رزقهم التي كانوا يعيشون منها.

* يقول لك مسعود يا معالي الوزير: (هل يعتقد معاليكم أن هناك مزارعاً أو صاحب ماشية يتقاضى مرتباً شهرياً لا ينقص عن خمسة آلاف ريال..؟ أو يمتلك مبلغاً يزيد على مئتي ألف ريال، حتى يلبي شرط الاستقدام..؟)!!

* ويقول لك مسعود يا معالي الوزير: (لو أن أصحاب المزارع والماشية موظفون ولديهم حسابات في البنوك، ما تكبدوا المصاعب والمتاعب التي هم فيها. لو نظرت يا معالي الوزير إلى أحوالهم المعيشية، وإلى مساكنهم المتواضعة، وإلى ملابسهم الرثة، مما كفاك الله وأغناك عنه.. لو عرفت ورأيت لما طلبت منهم مثل هذه الشروط).

* ويقول لك مسعود يا معالي الوزير: (نرجو إعادة النظر في هذه الشروط الجائرة، حتى نتجنب التحايل، ونبتعد عن اللجوء إلى العمالة السائبة والمتسللة، تلك التي ليس من ورائها سوى الخراب والدمار وزعزعة أمن الوطن والمواطنين).

* وأنا أقول هنا: الحال كما ترى يا معالي الوزير، من طلبات تعجيزية، وشروط تعسيرية، فما العمل يا معالي وزير العمل..؟