قيل في الأمثال عمّن يفعل دنيْ فعل ويتظاهر ببراءته منه: أن فلانا كمن يقتل القتيل ويسير في جنازته. ولعلي أزيد: أن ربما استبد بالقاتل الخداع والتمويه فأطفر من مقلتيه دموعاً أصدق ما فيها أنها كاذبة.!
يحدث أن تشط النفس الأمارة بالسوء في لحظة استحواذ من الشيطان ويطغى صراخ الجهل على صوت العقل وينتهي الأمر إلى ما لا تحمد عقباه ويفضي الأمر إلى ما يمضي إليه من حقوق ودماء لكن اغتيال البراءة وسحل الطفولة وتعذيب الطهر لهو الأشد مرارة والأعمق ألماً.
وعندما يكون القاتل والمقتول كلاهما (والد وما ولد) تتمزق نياط القلوب وتموت جمل النعي على الشفاه وترتعد فرائص واجب العزاء وتخور قوى المواساة فالضحية ما بين آمن ومؤتمن. ليس الأب لوحده بل الأم وكل من في حكمهما فكلاهما راع ومسئول عن من يرعاه.
القتل والتعذيب والقهر والظلم جرائم حرمتها كل الأديان السماوية والقوانين الوضعية والنواميس الكونية، فهل هو ضعف الوازع الديني من كمُن خلف مأساة (غصون) مكة و(وسام) ينبع و(شموخ) الطائف ومثلها من قبل ومن بعد العديد من قضايا الطفولة المعذبة والتي تصبحنا وتمسينا، أم هو غياب أو ضعف شيء آخر يصعب على كل من عافاهم الله من هكذا مصائب تصوره وتوقعه.
عذابات الطفولــة أكثر ما تُعزى إلى الشقاق الأسري بانتقام طرف من طرف والمرزوء في أتون الخلاف هم الأبناء في كل الأحوال ولكنها لم تكن ولن تكون قاعدة يستند عليها، فكم من أم رءوم ُطلقت أو رُملت وهي غضة إيهاب وفي شرخ شباب فوجدت وقد حرمت نفسها من الاقتران بآخر وردت الخاطب تلو الراغب حرصاً على مصلحة أبنائها وكانت مخرجاتها التربوية رجالاً ونساءً على قدر عالٍ من الهمم والفضائل. وفي المقابل نجد آباء وقد ضحوا بعواطفهم وسعادتهم مع (زوجات أب) لم يحسنَّ الإحسان إلى أبنائهم وفضلوا العزوبة سعياً وراء تحقيق البيئة الآمنة المطمئنة لحبات القلوب وكان لهم ما أرادوا فنجاح أبنائهم حياتياً فيما بعد يعد قاطع دليل على تلك التضحيات والإيثار. فليتق الله كل من استرعاه الله أمانة في حق النشء فالدين القويم الذي حض وحث من خلال الهدي النبوي على الرفق بالدواب والطير فما بالنا ببراءة تغتال وطفولة تسحق ومن أقرب الأقربين.. فالله المستعان.