العبدة الصالحة، بقية السلف، مستجابة الدعوة، والدتي الحبيبة، أمضت حياتها التي قاربت التسعين عاماً من عمرها في طاعة الله عز وجل، وعبادته، ما بين صلاة، وذكر، وصيام، وتسبيح وتحميد وتهليل وإحسان إلى الخلق، ومن نعم الله عليها أنها لم تفقد شيئاً من حواسها، لا سمع ولا بصر، بل كل ما طرأ عليها هو انحناء ظهرها على مصلاها، وهذا من فضل الله عليها إذ عرفت بتقواها وصلاتها.
يوم الخميس الماضي 11-2-1432هـ كنت أعاني من آلام بسيطة في القلب، وضيق في التنفس، وكنت أتحامل على نفسي لكثرة مشاغلي الإعلامية الدعوية، فصليت الظهر قريباً من بيت الوالدة -يحفظها الله- دخلت عليها وأنا أضع يدي على المكان الذي يؤلم في صدري، في مكان القلب حيث أعاني من خفقان وعدم انتظام في ضربات القلب من جراء عملية جراحية في القلب تكللت -والحمد لله- بالنجاح.
انكببت على رأس الوالدة أقبلها وأقبل يديها، فضمتني إلى صدرها قائلة (اسم الله عليك، عسى ما تحس بشي يا وليدي، الله يمتعك بالصحة والعافية، الله يلبسك لباس الصحة والإيمان، الله يطول عمرك في طاعته) ويا سبحان الله، كانت كل دعوة تسبق أختها، وأسأل الله أن يتقبلها، جلست على الكرسي وأنا أحدثها، وأقبل يديها وعينيها، فرفعت يديها تدعو لي بالصحة والعافية، وهي تغالب دموعها، والدعاء يتدافع من فمها، تدعو لي بالثبات، وصلاح النية والذرية، وسعة الرزق.
فعلاً بدأت أنسى آلامي وأنا أعاين منها مشاعر الحنان والعطف، بل لا أبالغ عندما أقول إن جميع آلامي قد زالت في تلك اللحظات.
جلسنا نتبادل الحديث والذكريات، وهي لا تفتر عن الدعاء لي ولأولادي، وقد دب النشاط والعزيمة في جسدي لدعواتها، ولما لمسته من حنانها وعطفها، وساعتها أحسست يقيناً أن وجود الوالدين نعمة من نعم الله على العبد، وأهمس للقراء أن ذلك اليوم كان من أكثر أيامي بركة لكثرة ما أنجزت فيه من الأعمال نتيجة البركة التي جعلها الله في ذلك اليوم.
إن رجائي من جميع الشباب والشابات أن يحسنوا إلى والديهم، وأن يغتنموا حياتهم في كسب ثواب برهم، والإحسان إليهم، عسى أن ينتفعوا بدعواتهم في الدنيا والآخرة ويكون هؤلاء الآباء والأمهات سبباً في دخول أولادهم الجنة... والحمد لله رب العالمين.