خطوة صغيرة ولكنها جسورة يعمل على تثبيتها جنود معلومون ومجهولون يقودهم رأس هذه الأمة خادم الحرمين الشريفين.. جنود أفنوا أعمارهم يصارعون دهورا من التجهيل والتضليل والتشويه لقضايا تجاوزتها الأمم القريبة والبعيدة بقرون.. تلك هي عمل المرأة في محلات بيع الملابس النسائية.. وستكون إحدى القضايا المشوقة لدراستها لاحقا في تاريخنا تحت مسمى نموذج (العبط الاجتماعي للشعوب)!!.
هل زرتم أيا من تلك المحلات؟ أصبح من المريح ان أدخل وأبحث وأقلب وأناقش دون أن أشعر بقلق ذلك الغائب المستتر بيني وبين رجل لا أعرفه في أمور خصوصية جدا..
فشكرا لصاحب القرار وقلوبنا جميعا معك تدعو لك سرا وجهرا ورحم الله فارس التجديد د.غازي القصيبي وأثابه على ما واجه في سبيله.
الآن من المهم ألا نقف في حدود فرق التشجيع الرياضية تصرخ من فوق بل يجب ان ننزل للميدان ونتلمس حقيقة هذا العمل وقدرة هذه الحركة على البقاء والتعايش مع ظروف مهنية معادية كتلك التي تجترحها هؤلاء النسوة اليوم.
وحتى نستطيع ان نتخيل الموقف هل فكر اي منكم في بيئة عمله التي يذهب اليها كل يوم؟ ندخل البوابة ونلقي سلام الصباح على موظفة الاستقبال إن وجدت ونتحرك إلى مكاتب مجاورة أو ربما ننتقل بين ابنية متعددة في نفس السور الرئيسي ونسلم على السكرتيرة ونكلم الرئيسة ونؤدي اعمالنا ونتوقف قليلا.. الخ. بمعنى بيئة عمل طبيعية إلى حدما (رغم الظروف العجيبة التي تعمل فيها المرأة السعودية عامة!) لكننا لا نعمل ضمن نطاق التحديات الاجتماعية التي تعمل فيها هؤلاء النسوة اليوم.
هؤلاء النسوة يمثلن الشمعة الأولى التي يحرقها المجتمع حتى يتخلص من احد ضغوطاته البائسة.
المشكلة أن غالبيتهن أتين للعمل ربما دون إدراك للبعد النضالي والاجتماعي لما يفعلن فهن في النهاية يبحثن عن عمل فقط ويرغبن في الستر ولا يفهمن كل هذه الفلسفات والنقاشات التي تدور حولهن وبهذا فمعاناتهن داخل بيئة العمل المعادية ستكون أضعاف ما تواجهه نساء أخريات في مواقع أخرى أو مشابهة لما واجهته وستواجهه نساء سعوديات جديدات في كل مرة نقتحم فيهاعالما جديدا من التحديات حول موضوع المرأة مع السلطة الدينية التقليدية.
هذه المواجهة الدينية والاجتماعية غير المرئية ستنعكس في سلوك من حولهن من الناس والأقارب حيث سيعاملن على أنهن مخالفات للعرف أو التقليد أو حتى التفسير الديني في نظر بعضهم مما سيولد مواجهات ربما مباشرة أو غير مباشرة فهل أعددنا هؤلاء النسوة للتصرف بهدوء وفهم عمليات التحول الاجتماعي التدريجي ومايرتبط بقضايا التغير من وجهات نظر متعددة أو حتى متعارضة؟
شكل آخر للمواجهة سيقابلنه وذلك داخل الأسواق التي يعملن بها ومع من حولهن من الرجال العاملين في المحلات الأخرى والذين لا يحملون تعاطفا تجاه هذا القرار الذي أدى (كما يرونه) إلى فصل أصدقائهم أو أقربائهم من الرجال وأتي بكائنات هي في الأصل عاجزة (من منظورهم) فكيف يحق لها ذلك ومن ثم فالكثير من المضايقات وإيجاد العراقيل اليومية ستكون سياسة بعضهم (لتطفيش) هؤلاء الغازيات. وبما أن حركتهن أصلا محدودة مكانيا فسيكون من السهل فعل ذلك.. فكيف يمكن إعداد المرأة للتعامل نفسيا وعقليا مع ذلك؟ أمر آخر يتعلق بساعات العمل الطويلة التي هي أصلا مرهقة لكل أحد رجلا كان أو امرأة لكن حركة الرجل أسهل بتوفير مواصلاته المباشرة التي يستطيع تنظيمها دون إرباك جدول العائلة والحصول على قسط من الراحة خلال الظهر.. المحزن أن الكثير من النساء لا يستطعن ذلك لعراقيل ميدانية.
قابلت مجموعة منهن وكانت الساعة التاسعه مساء في احد المجمعات التجارية وبدا من خلال الثقب الضيق في نقاباتهن درجة الإرهاق الهائلة التي يعشنها وتبين أنهن ورغم وجود فسحة من الوقت تمتد من الثانية عشرة حتى الرابعة لا يعملن فيها إلا أنهن لا يتمكن من الذهاب إلى المنزل لصعوبة المواصلات وبعد منازلهن عن أماكن العمل مما يضطرهن للبقاء في المحل محشورات يوميا من التاسعة صباحا حتى العاشرة مساء؟ أي مخلوق طبيعي يمكن له تحمل ذلك وكيف سيكون شعورهن وهن يفكرن في بيوتهن وأطفالهن طوال هذه الفترة؟ وأي عمل سيؤدى بطريقة منتجة تحت هذه الظروف المهنية الصعبة التي يقبلنها لأجل لقمة العيش.
هنا يأتي دور الدعم المجتمعي ممثلا في التنظيمات والجمعيات النسائية وجمعيات المجتمع المدني ورجال الأعمال وحتى الشركات والبنوك عبر استشعار مسئولياتها الاجتماعية بإظهار دعمهم لقرار التأنيث من خلال تذليل هذه الصعوبات الميدانية حتى تبقى المرأة فعلا على رأس العمل ولا تكون شيئا مؤقتا ومتبدلا في كل مرة وذلك بعمل زيارات ميدانية لهن في المحلات ودراسة أحوالهن وتوفير مواصلات أو سكن جماعي قريب من اماكن العمل وآمن تتوفر فيه لقمة ساخنة وفراش مريح يقضين فيه هذه السويعات القليلة ليتمكن من مواصلة عملهن بعد الظهر.
الفكرة ليست فقط وظيفة بل توطين وتثبيت يضمن عيشا كريما ومتوازنا لهذه المرأة التي نريدها بجانب كونها موظفة ان تبقى أما وزوجة راضية عن نفسها وغير مضطرة لإهمال بيتها كل هذه الفترة، فالأطفال في النهاية هم مواطنو الغد الذين نرغب كمجتمع في حمايتهم وتوفير رعاية اسرية لهم في ظل اب وام يتعاونان لتوفير لقمة العيش، كما يتعاونان على رعاية اسرهم.
الرواتب التي نتمنى ان تكون موازية لساعات العمل الطويلة كما نتمنى ان تستمر هذه المحلات في تحقيق الربحية التي تساعدها على القبول التدريجي لهذا القرار الذي سيبدو صعبا في بداياته بكل تفاصيله ذات العلاقة (بالخصوصية) السعودية! اضافة إلى ضرورة تفكيرنا الجاد بما يقارب أربعين ألف عامل ذكر وغير سعودي في الغالب ولديهم إقامات سارية المفعول وتمت اقالتهم سعيا لإحلال عناصر نسائية وطنية! ماذا سنفعل بهم؟