يلتقي العالم الاجتماعي داهرندوف في معاينته لعنصر السلطة في المجتمع مع نظرية ابن خلدون في الصراع الاجتماعي «فهو يرى أن المجتمع يحافظ على النظام بواسطة ما يسمية بالضغوط القوية». وهذا يعني أن بعض المواقع الاجتماعية في المجتمع تتفوق بقوة السلطة على مواقع أخرى في نفس المجتمع. وهذا هو جوهر نظرية ابن خلدون حين تتخذ القبيلة الأقوى من العصبية مبررا للهيمنة والتسلط.
هذا الواقع التسلطي لبعض القوى على القوى الأخرى قاد داهرندوف إلى التساؤل من هو الأقوى هل هو الثقافي؟
هل هو صاحب الرأسمال؟
من يتحكم بمن ؟ ومن يسيطر على من؟
القوة لا تكون للفرد إلا بكونه منتم لقوة اجتماعية، ونظرية الصراع الاجتماعي في بعض طروحاتها المتطرفة ترى أن المجتمعات لا تتطور إلا بالصراع وربما بالإبادة مثل مجتمع أوروبا الجديد واليابأن.
أما الطرح المنطقي الذي يمكن استقرائه جيدا في صراع القوى الاجتماعية الذي نشهده في عالمنا العربي سياسيا أو ما نشهده محليا من صراع فكري حول موضوع الخوف على المرأة وكونه يتخذ كذريعة لهيمنة رأس المال أو القوى الدينية أو كليهما على القوى الأخرى, فهو الصراع الذي يولد الاتفاق، مثلما أن الاتفاق يولد الصراع.
المجتمعات التي تتعافى وتتطور وتتغير للأفضل هي التي تتصارع فيها الأفكار ويكثر الاختلاف في الرأي، لو قرأنا تاريخنا العربي لوجدنا أزهى عصور الحضارة الإسلامية هي العصور التي ظهرت المذاهب الفقهية والكتب المفسرة للقرآن وهي التي ظهرت فيها الفلسفة والنحل الفكرية وازدهر الغناء وامتدت الفتوحات وانتشر الإسلام وحين ضاق الصراع انحسرت الحضارة، فلا تضيقوا من الصراع إنه دلالة على اتساع الفضاء وعلو السقف، صحيح أن بعضه يجنح للفجور في الخصومة لكنه مثل قذى في العين النقية لا يلبث أن يزول. إذن وعلى ذمة السيولوجية الاجتماعية تصارعوا فكريا لتتقدموا وتتغيروا فلم يذكر التاريخ قط أن الصراع قاد الناس إلى الوراء لأن الصراع يكشف وفي الكشف تظهر الحقيقة.
f.f.alotaibi@hotmail.comTwitter @OFatemah