الأخ المستشار د. خالد المنيف، لدي سؤال أقلقني كثيراً وهو: هل الدفاع عن النفس بطريقة عنيفة (في وقت تكرر فيه الظلم والاتهامات) مشروع وطريقة صحيحة؟ أم انه خطأ ويدل على عدم الثقة بالنفس، ولا أخفيك أنني في أحيان كثيرة أشعر بتمرد لأنوثتي فماذا ترى؟ بانتظار ردك وفقك الله:
ولك سائلتي الفاضلة الرد:
حياك الله المولى ووفقك، تسألين عن مشروعية الرد بعنف ورد الصاع صاعين حال تكرار الظلم والأذى وأقول: أولا أختي الكريمة قبل الحديث عن مشروعية هذا التصرف تحتاجين إلى أن تراجعي نفسك وتأملي فيها أكثر، فربما كنت ممن يضخم الأمور أو ممن يفسر تصرفات الآخرين بالتفسير الأسوأ، وعلى هذا يكون ما تظنينه ظلما واتهاما وتجنيا لا يتجاوز كونه ظنونا ووسوسة من عمل الشيطان.
الأمر الثاني اسألي نفسك أين موقعي من المعادلة؟ بمعنى هل تعرض لك هؤلاء وظلموك (بحسب وصفك) بلا أي سبب وكان على غفلة منك ولم تكوني طرفا في أي نزاع؟
لماذا لم يتجنوا على غيرك والاتهامات فقط إنما طالتك وحدك؟
هل راجعت نفسك وتصرفاتك وطبيعة علاقتك؟
هل تحترمين الآخرين وتحفظين حقوقهم؟
تلك أسئلة تحتاج إلى إجابة وذلك بوقفة صريحة مع النفس وعندها ستظهر لك الحقيقة - بإذن الله -.
ثم إذا سلمنا جدلا بأن الآخرين يتعرضون لك ويفترون عليك، فهل اتخذت خطوة إيجابية نحو إصلاح الأمور؟
إن توقع (أن الآخرين يقرؤون أفكارنا ويفهمون ما في دواخلنا) أمر يزرع المشكلات ويصعد الخلافات!
بمعنى هل تحدثت مع من افترى عليك بهدوء عن سبب افترائه؟
هل وضحت لمن جرحك بأن حديثه يزعجك؟ (ربما كان يظن أن الأمر طبيعي)!
أختي الكريمة إذا كنت إنسانة مسالمة ولم تتصرفي بتصرفات خاطئة، وكذلك قد استنفدت السبب في توضيح الأمور مع هؤلاء الأشخاص ومع هذا لم يتوقفوا عن ظلمك والافتراء عليك فأقول: لكف الحمقى عن التجاوز ربما نحتاج في بعض المواقف لقبضة أسد ومخلب صقر ولدغة ثعبان، فإظهار السوط في حينه أنسب رادع لهم!
ولكن رد الظلم وإيقاف المعتدين عند حدهم ليس بالضرورة أن يصاحبه وقاحة أو بذاءة أو اعتداء أو كلمات جارحة!
كل ما عليك فقط الحديث بنظرات حازمة وبلهجة قوية هادئة..
لا اعتداء ولا تجني ولا فحش، بل هو طلب كف الأذى والتوقف عن الظلم والتجريح، فصاحب الشخصية القوية لا تراه يحيد عن ثوابته ولا يتخلى عن أخلاقه، وتأكدي أن لديك إرادة وتملكين القوة الكافية التي تمكنك من رد أي اعتداء عليك وبأسلوب لائق مهذب دون جرح أو إيذاء للآخرين ودون إفساد لجسور الود بينك وبينهم.
أختي الكريمة.. أذكرك أن الأصل في التعامل مع الناس هو الرفق (ألا أخبركم بأكملكم إيمانا أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون) وفي بعض المواقف (القليلة جدا) تكون الحكمة في شيء من القوة وذلك بحسب الموقف وطبيعته.
وعليك إن اخترت الرد الالتزام بقاعدة (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) وقاعدة (ولا تعتدوا)، فسلاطة اللسان وبذاءة الكلام والفحش في القول والفجور في الخصومة أمر مستهجن وخلق منفر ودلالة على وجود خلل في الشخصية، وسيأتي يوم ويجد نفسه صاحب هذا الخلق وحيدا بلا صديق ولا حبيب وأعظم من هذا ما ينتظره يوم الحساب من شديد العقاب وسوء المنزلة اسمعي ما قاله الحبيب - صلى الله عليه وسلم - (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه)، وفي حديث آخر (إن شر الناس منزلة يوم القيامة من يخاف لسانه أو يخاف شره).
أختي الكريمة استوقفتني كثيرا جملة (لا أعلم سبب تمرد أنوثتي) وهي جملة تدل على عدم رضاك عن تصرفاتك وأنها تخدش وتنال من أنوثتك! والحقيقة أنك إنسانة كاملة الأنوثة رقيقة المشاعر والدليل هو تضايقك من هذا التصرفات وارى أن الأمر لا يتجاوز كونه (قناعة فكرية) لا أكثر رسختها مواقف قديمة أو أحاديث تكررت كثيراً على سمعك وتلك المواقف أو الأحاديث للأسف كانت تصور أن قوة الشخصية إنما تنال بالعنف والقسوة وهذا لا شك تصور ذهني خاطئ لا يدعمه منطق ولا يؤيده عقل ولا يستند إلى دليل.. وكل ما تحتاجينه هو تغيير تلك الصورة النمطية المشوهة رعاك العزيز وبارك فيك.
شعاع:
ليس الموت أكبر خسارة في الحياة، إنما أكبر خسارة هي أن يموت ما بداخلنا ونحن أحياء.