|
حوار: منيرة المبدّل ومنال المحيميد
يفتح ملتقى اللسانيات الحاسوبية أبواب مغلّقة على مصاريعها أمام تساؤلات أرقت اللغويين، وأقضت مضاجع الغيورين على اللغة العربية، حيث يتساءل الجميع بصوت واحد: كيف السبيل إلى أن نُخْرج اللغة العربية من مأزقها، وندفع بها في منجز يتماشى مع إيقاع العصر الذي نعيشه وطبيعته؟! وفي الوقت الذي أصبح العالم الكوني يتواصل عن بُعد، وبضغطة زر؛ كان لزاماً علينا نحن أهل اللغة وأبناؤها ألا نمارس العزلة في حق لغتنا العربية، ولا سيما في ظل هجمة تشكيك في مقدرة اللغة العربية على استيعاب ثقافة العصر وسمته الرقمية من جهة.
ومن توّجه العلوم كافة صوب التقنية والحاسوب توظفها وتنتفع بها من جهة أخرى.
وعلم اللغة الحاسوبي أو اللسانيات الحاسوبية من العلوم المستجدة في حقل الدراسات اللغوية، التي بدأت تستقطب الدارسين لها في الجامعات والمراكز العلمية، وتقام على إثرها الملتقيات والندوات وحلقات النقاش والتداول العلمي، ومنها هذا الملتقى الذي يقام تحت مظلة كرسي بحث جريدة الجزيرة للدراسات اللغوية الحديثة بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن؛ بوصفه أول ملتقى تخصصي حول هذا العلم اللغوي الحديث.
حيث استعان بالعديد من العلماء والمختصين والمشتغلين في حقله؛ في محاولة جادة لإثراء هذا العلم، ومعرفة المزيد عن تطوراته.
وعلى صعيد هذا الالتقاء العلمي المختص، يسعدنا أن نطرح جملة تساؤلات من صميم هذا التخصص؛ بغية تسليط الضوء على بعض الأطروحات والقضايا ذات الصلة، وتوسيع ساحة الحوار والمناقشة للخروج بأكبر فائدة ممكنة في هذا الجانب.
وقد تم طرح جملة من التساؤلات على بعض المشاركين في الملتقى؛ لتجاذب أطراف الحديث حول بعض مفاهيم هذا العلم وهمومه التي قد تؤرق اللغويين والحاسوبين على السواء: 1.
يلحظ الدّارس الذي يبحر في المواقع الإلكترونية (الواب) ضحالة المادّة المعرفيّة العربيّة المعروضة على الشبكة العنكبوتية، فحجم المحتوى العربي الرقمي على الإنترنت لا يتعدى في أفضل الإحصائيات نسبة 3 % من المحتوى المعرفي العالمي للشبكة.
هذا يدعونا للتساؤل، من المسئول عن تخلفنا في حوسبة اللغة هل هم التربويون، أم اللغويون، أم الحاسوبيون؟ يشير الدكتور منصور الغامدي (أستاذ اللغويات / مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية): أن نسبة المحتوى العربي على الشبكة العالمية الآن هي أفضل منها بكثير عما كانت عليه في عام 1429هـ وما قبله، حيث كانت نسبته لا تتجاوز 3 في الألف أما في هذا العام 1432هـ وحسب إحصاءات قوقل فقد تجاوزت 2 في المائة وهذه تمثل سبعة أضعافه قبل 3 سنوات فقط.. مع الأخذ في الحسبان زيادة المحتوى العالمي على الشبكة العالمية.
وقد كان لجهود مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية دور كبير في هذه الزيادة وذلك عبر مشاريع مبادرة الملك عبد الله للمحتوى العربي التي ترعاها المدينة.
ويضيف على ما سبق، أن سبب التأخر في حوسبة اللغة العربية مرجعه العزلة القائمة بين اللغويين والحاسوبيين التي تبدأ في مراحل التعليم العام وتصنيف الطلاب إلى متخصصين في العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، مع العلم أن الدراسات العلمية المعاصرة هي تكامل بين مختلف حقول المعرفة ولا يمكن لحقل أن يتطور بمعزل عن الحقول الأخرى.
هذه العزلة تكبر وتبرز أكثر في الدراسات الجامعية في كثير من الجامعات العربية.
فكل تخصص يرى أنه مختلف عن الآخر وليس هناك مجال للتعاون أو العمل المشترك.
هذه العزلة يمكن إزالتها بأن تكون هناك مواد دراسية لها علاقة بالحاسب في أقسام اللغة العربية يلقيها متخصصون في الحاسب، ومواد دراسية لها علاقة باللغة العربية في أقسام الحاسب يلقيها متخصصون في اللغة العربية. ثم تكون هناك مشاريع مشتركة بين القسمين.
ويرى الدكتور عدنان ولي (المدير التنفيذي لشركة ATA-London) بأن المسؤول الأول عن تخلف العرب في مجال حوسبة اللغة العربية هو النظام الرسمي العربي ومؤسساته المتخلفة التي لا تفكّر بغير القرارات السياسية التي يتخذها قادة لا علم ولا معرفة لهم بالتقنيات ولا يسمحون لذوي المعرفة والاختصاص بالعمل وتوفير الإمكانيات المالية لهم كي يبدعوا مما ترك الأمر للشركات الخاصة من داخل الوطن العربي وخارجه.
في حين يضيف الدكتور عيسى عودة برهومة (أستاذ اللغويات التطبيقية بجامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية) أن ثمة أسباب غير المذكورة في السؤال، فالحضور المعرفي لأي أمة أو دولة لا بد مرتهن لعوامل موضوعية كثيرة منها السياسات الناجحة في حقول المعرفة كافة، فغالبا ما يكون التقدم عاما والتخلف عاما، وهذا ما نلحظه في التجارب الناجحة في الغرب، فالتقدم حالة لها حضورها وسيرورتها، ولم تصل هذه الدول إلى ما وصلت إليه إلا بعد مراحل من التخطيط والتقدم والحداثة، وقوة اللغة بالضرورة تابع لقوة الدول الناطقة بها، فما وصلت الإنجليزية لهذا الانتشار لولا الإمبراطورية البريطانية سابقاً والولايات المتحدة الأميركية.
وإن ولينا وجهتنا إلى العالم العربي فسنجد أن غياب التنسيق - إلى جانب ما ذكرت آنفاً - يكمن وراء هذا التأخر في إنتاج المعرفة الإلكترونية.
وتلمح الدكتورة نوال بنت إبراهيم الحلوة (أستاذ اللغويات بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن): إلى سبب ضحالة المادة المعرفية في الشبكة العنكبوتية بأنه عائد على التأخر التقني الذي تراه مسؤولية الجميع وتقول: مشكلتنا تكمن في تقوقعنا وعزلتنا العلمية وتأخرنا العلمي والتقني مما سيعيق اللغة العربية عن مواصلة مسيرتها التاريخية إذ إن تأخر اللغة العربية تقنياً سيحدث فجوة رقمية ستضر بمسيرتنا الحضارية.
ويعزو الدكتور عبدالله الأنصاري (أستاذ اللغويات بجامعة الإمام) التخلف في حوسبة اللغة لجميع الفئات (في المجال التربوي، الحاسوبي، اللغوي).
1- اللغة هي الهوية، وفي ظل التحديات للغة العربية، ما أثر العولمة على مستقبل حوسبتها؟ يرى الدكتور منصور الغامدي: أن فكرة الإقصاء لم تعد قائمة للغة ما كما كانت في السابق.
فالتوجه العالمي العام الآن هو المحافظة على جميع اللغات البشرية مهما كان عدد متحدثيها وذلك حفاظا على التنوع الثقافي والفكري للبشرية.
والتقنيات المعاصرة بما فيها تقنية المعلومات تخدم جميع اللغات بلا استثناء.
وإذا كان هناك قصور لإسهام لغة من اللغات فالقصور من متحدثيها وليس لأسباب خارجية.
ونجد أن الدكتور الأنصاري متفائل في مستقبل حوسبة اللغة العربية، إذ يقول: ستدفع بها بكل قوة بحسن القصد أو بسيئه، ولكن نحن مطمئنون على العربية، ومتأكدون من رسوّ سفينتها على شاطئ الأمان رافعة علم النصر في النهاية، وسوف تكون هي رائدة العولمة عن قريب إن شاء الله، ولن تكون حوسبتها إلا دفعة قوية ناهضة بها ليراها من لا يراها.
ويشاطر الدكتور عيسى برهومة رأي الدكتور الأنصاري وتفاؤله، حيث يقول: يُفترض أن يكون أثرا محفزا؛ لأن التحدي يولد الاستجابة إلى لغة العصر والتفاعل معها حضورا ومشاركة لا استهلاكا كسولا، وتلقيا سلبيا.
وبنظرة واقعية من منظور الدكتورة نوال الحلوة، ترى أن: من أشد مخاطر العولمة إذابة الهوية الثقافية للشعوب وسيدفع تخلفنا التقني إلى تعميق أثرها على اللغة لذا فإن الإسراع في رقمنة اللغة العربية سيحافظ على تنوعنا الثقافي وخصوصيتنا وأصالتنا من جانب وعلى هويتنا من جانب آخر كذلك يرى الدكتورعدنان ولي بأن مستقبل اللغة العربية لا تقرّره العولمة أو أي مصدر خارجي ولكن يقرّره الناطقون بها.
فلو اهتمّ المسؤولون والتقنيون والمتخصصون في علوم العربية بلغتهم ووجدوا الدعم من المؤسسة الرسمية لتغيّر حال اللغة العربية كثيراً وأبدع العرب بلغتهم كما يبدع الآخرون.
2- أحدثت (الويب) الدلالية ثورة في تقنية اللغات فما الإستراتيجيات التي لا بد من الأخذ بها لاستثمار مخرجاتها؟ تجيب الدكتورة نوال الحلوة عن ذلك بقولها: الويب الدلالية تعتمد على شبكة من المعلومات معقدة وواسعة ومرنة، فهي تحتاج إلى محتوى لغوي ضخم وعليه فإن أكبر عائق أمام الويب الدلالية العربية ضعف المحتوى الرقمي، أما مخرجها فهي متعددة متنوعة تعتمد على القدرة على وصف المحتوى وتحديد أنواعه وفئاته وخصائصه، ثم وصف العلاقات الدلالية التي تربطها (الانطولوجي) لذا فمخرجها متعددة وتستعمل كثير من تطبيقاتها في المعالجة الآلية للغات مثل (التحليل الآلي للنصوص العربية) والترجمة الآلية، والبحث عن المعلومات داخل الشبكة وتصميم النظم، ولعل من أعظم مخرجاتها الإنجليزية (شبكة الكلمات الإنجليزية (وود نت) حيث تحتوي على 123000 كلمة، مع استخراج العلاقات الدلالية فيها (الانطولوجيا) وهناك شبكات أخرى بالفرنسية والألمانية، ونتمنى أن يستفيد من مخرجاتها عربياً ببناء (شبكة الكلمات العربية) متكاملة وواسعة حيث إن، هناك شبكة كلمات عربية إلا أنها معتمدة على الترجمة وغير مكتملة لذا فبناء شبكة كلمات عربية يعد تحدياً لغوياً كبيراً أمام اللغويين والحاسوبيين.