النقلة النوعية في التعليم العام والجامعي لاسيما في مجال توفير فرص القبول للطلاب والطالبات جاءت مميزة، واستفاد المجتمع منها حينما دشنت الدولة العديد من الجامعات في مختلف المناطق في بلادنا حتى باتت الفرص التعليمية متساوية، لتختفي بحمد الله طوابير انتظار القبول، وآلام البحث عن مقعد في إحدى الجامعات حتى وإن كان بعيداً أو تكتنفه صعوبات التنقل والغربة.
إلا أن ما يلحظ على الجزء الثاني من معادلة حياة المجتمع والمتمثل في الشأن الصحي والرعاية الطبية ندرك دون عناء أن المجتمع لا يزال بحاجة إلى نقلة نوعية أخرى في مجال خدمات المستشفيات والمراكز الصحية تشبه أو تضاهي نقلة التعليم وتطوره.
فتدهور حالة «المراكز الصحية» في الكثير من الأحياء في المدن والأرياف والقرى لاسيما في المناطق التي لا مستشفيات فيها يحتاج إلى عملية إنعاش وعلاج إداري وفني سريع، لعلها تقوم بواجبها وتحقق الهدف المرجو منها والمتمثل في تقديم خدمة طبية مناسبة أو تشخيص يسهم في تقدير الكثير من حالات المرضى الذين هم بحاجة إلى تحويل سريع للمستشفيات الكبيرة.
وربما أخطر الإجراءات هو ربط هذه المراكز الصحية الأولية بالمستشفيات، حتى أنها باتت تقرر من يسمح له بالذهاب إلى المستشفى العام، أو لا يذهب!! حيث تروى - للأسف - الكثير من الحكايات حول طرق التحويل أو تقديم العلاج. ولا أدل من ذلك سوى تنوع المعاناة والشكوى التي يجأر فيها مرتادو هذه المراكز وهم الشريحة الكبرى في المجتمع.
حتى «الواسطة» دخلت في صلب هذه الممارسات اليومية للمراكز الصحية، ليدخل الجميع في مرحلة البحث عن تهويل لحالته المرضية لكي يذهب إلى المستشفيات العامة، أو المراكز المتخصصة، ومن يقوم بإعداد التقارير اللازمة حتى وإن كانت غير واقعية هو ذلك الموظف أو الفني أو المختص في المراكز الصحية التي تقل فيها الرقابة وتندر المتابعة ويغيب الإنصاف.
ضحية عبث هذه المراكز الصحية هو بلا شك من هو بلا واسطة، ليذهب بعد أن ييأس من هذه الأوضاع الأليمة إلى أي مكان حتى وإن كان تحت رحمة منشار المراكز الصحية الأهلية التي تعزف وتغني دائماً بنغمة مادية لا ترحم: «أدفع يا حبيبي.. ادفع».
حتى وإن كتب له الإفلات من هذه المراكز الصحية الأولية بتقرير يستدعي استكمال علاجه في المستشفيات الحكومية حتماً سيواجه معضلة أشد وصدمة أكبر حيث سيستمع إلى نغمة أشد إيلاماً تدور فحواها حول تعذر الحصول على سرير.. وهذه من أبرز العقد التي لا نزال نعاني منها.
hrbda2000@hotmail.com