لدى مراهقينا أو لنقل شبابنا طاقات هائلة ولله الحمد، في ظل عدم وجود ما يمكن أن يقوموا به من ممارسة لهوايات أو أنشطة يمكن أن تُخلصهم من هذه الطاقات بشكل يومي، بالرغم من استنزاف المدرسة لكثير من هذه الطاقات، إلا أنّ مراهقينا لا
يزالون يحملون طاقات إن لم يتم استخدامها في ما ينفع أو توجيهها على الأقل بشكل سليم، فسيكون مؤداها بلا شك من الخطورة بمكان، حيث يقوم المراهق بمحاولة التخلص من تلك الطاقة أية وسيلة أو عبر أي طريقة حتى لو كانت تلك الطرق، طرقاً محظورة.
أخطر المظاهر هي العنف الموجة ضد ممتلكات المدرسة والآخرين والمشكلة الكبرى والخطيرة في هذا النوع من العنف انه عنف سهل ولا يجد رد فعل من الضحية، وبالتالي يقوم به الأقوياء والضعفاء دون خوف وخطورة، المشكلة تكمن في عدم إحساس الطالب بالمشكلة، فمن وجهة نظر الطلاب القائمين بهذه السلوكيات ضد ممتلكات المدرسة، أنهم لا يؤذون أحد في شيء وهذه ممتلكات للدولة وليس لأشخاص، وهذه المفاهيم وغيرها من تلك التي يعتنقها كثيرون من مراهقينا تمثل مؤشراً خطيراً على المستوى السلوكي الشخصي، والوعي المعرفي والديني والقومي.
إنّ الإقدام على هذا النوع من العنف يعبّر عن حالة من انعدام الشعور بالأمن وسيطرة حالة من العجز أمام العنف المادي والمعنوي الذي يمارس على الأفراد أو الطلاب داخل المدرسة، كما يعبّر عن عدم تحقيق الذات وعن حالة مفرطة من التوتر والقلق وانعدام الاعتبار الذاتي.
هنا تبرز الحاجة الماسة إلى مجابهة هذا المأزق، والبحث عن حلول تعيد للمراهق أو الشاب بعض التوازن والأمان والتقدير الاجتماعي وإعادة الاعتبار إلى الذات، وذلك من خلال اتباع أشكال عديدة من الاحتجاج ومنها، على سبيل المثال الاعتداء على الممتلكات العامة بشكل عام وتخريب الممتلكات المدرسية بشكل خاص.
من العوامل المشجعة على زيادة الشعور بعدم الأمان والعجز والتوتر، ميل الكثير من المعلمين إلى الاستهزاء والحط من قيمة الطلاب، ما يؤدي إلى اضطراب في العلاقات الاجتماعية السائدة بين المعلمين والطلاب، وبالتالي الصراع على القيادة وإثبات الذات بين الطلاب والمعلمين والإدارة وحتى أولياء الأمور.
إضافة إلى ذلك، شعور الطلاب بالإحباط والاغتراب وعدم الانتماء إلى المؤسسة التي يدرسون فيها بسبب فشل في التحصيل وعدم القدرة على بناء علاقة سليمة مع طلاب صفهم أو معلميهم، من خلال خيبة أمل مستمرة أو تحميلهم بواجبات تفوق طاقاتهم العقلية والفكرية والأخلاقية وكبر حجم المدرسة.
هنالك قسم من الطلاب والطالبات يقدمون على مثل هذه الممارسات التخريبية، من باب الغيرة والشعور بالتمييز ومن باب التلذُّذ في إيذاء الآخرين بأسلوب غير مباشر، وقسم آخر يقوم بذلك من أجل لفت الانتباه كتعبير عن حاجة نفسية اجتماعية أو كتقليد لسلوك الأفراد.
بعض ممارسات الأفراد في المجتمع المصغر والمجتمع العالمي تم معايشتها من خلال التجربة الذاتية، أو بتأثير وسائل الإعلام كتعبير عن الحاجة إلى حب الظهور أو الاعتقاد بأنّ هذه الممارسات يمكن تبريرها ولو على المستوى الذاتي كأعمال بطولية.
في هذا السياق يجب ألا ننسى أن الظروف الأسرية وخاصة في الأسر المتفككة والتي تتضمّن معاملة سيئة، وإهمالا وعدوانية في البيت، وصعوبة التحدث عن المشكلات التي يعانون منها داخل الأسرة، وعدم رضا الأهل عن البيئة التي يعيشون فيها، وإقناعهم بأن ليس لديهم أي تأثير على سلوك أولادهم مع محاولة لإسقاط المهمة على الأصدقاء من رفاق السوء أو وسائل الإعلام، تشكل عاملاً مساعداً في زيادة الاستعداد لمثل هذه الممارسات، كنوع من التنفيس عن العدوانية الكامنة التي تهدد كيانهم، ووجودهم واستقرارهم.
كما يجب أن لا ننسى بأنّ تزايد مثل هذا السلوك المنحرف والعدواني الخطر لدى المجتمع المحلي وعدم وجود وسائل ردع ومراقبة، يدفع العديد من الأفراد إلى القيام بمثل هذه التصرفات، ويبرز ذلك لدى الطلاب الذين يوجدون داخل المؤسسة ولا ينخرطون في العملية التعليمية بشكل خاص.
التربية عملية طويلة تحتاج إلى جهد متواصل، لأن بناء النفوس من أشق وأعسر عمليات البناء، فالتعامل مع المادة الجامدة أسهل من التعامل مع كائن حر مريد، لأنّ المادة الجامدة يتم تطويعها كما نشاء، أما النفس البشرية فلن يتيسر ذلك معها، لأنها تملك الحرية والإرادة، فلابد أن نتعامل معها ابتداءً من هذا المنطلق.
إن أبناءنا لا تنقصهم القدرات ولا يعوزهم الذكاء - كما يتوهّم البعض - ولكنهم يحتاجون إلى تربية متوازنة تلبي حاجات الروح إلى جانب حاجات الجسد، فالإنسان روح وجسد. لذلك يجب أن يحتل الاهتمام بالتربية المتوازنة قمة سلّم الضروريات، حيث إن نتائج ذلك تصل إلى المجتمع بمجمله سلبًا أو إيجابًا، ولن يكون في صالح أحد أن تلبى الحاجات المادية وتهمل الجوانب الأهم.
إن من يتوهّم أن واجبه كأب ينحصر في تأمين حاجات أسرته المادية، يكون قد غفل عن جوانب أهم بكثير من الغذاء واللباس. إلى لقاء قادم إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com