تعلو نبرة من اللغط، وتشتد قبل أن ترتد إلى مستوى الهمس حول مصطلح (الإصلاح الداخلي)، مفهوماً وغاية وآلية أداء، وليس في هذا الجدل من عوج ولا خلل؛ فالإصلاح، أو (تطوير) مسارات الشأن الداخلي، اقتصاداً وتربية وإدارة وثقافة ومجتمعاً، أمر مشروع ومطلوب وطنياً وتنموياً، تبنته القيادة السياسية الرشيدة لهذه البلاد، ودعت إليه ومارسته منذ حين، وهو قبل هذا وبعده لم يأتِ إملاءً من أحد خارج إطار الشرعية الوطنية لهذه البلاد، أو تجسيداً لرغبة أحد، كائناً من كان!
غير أن الملاحظ أن هناك أفراداً وجماعات خارج هذه البلاد يظنون أحياناً ظناً غير سوي، لا يستضيء بحكمة، ولا يقوم على دليل، يزعمون أن التغيير أو التطوير أو الإصلاح المنشود ينشأ (تناغماً) مع تراكمات الأحداث التي تشهدها بعض الأمصار العربية هذه الأيام، وما أفرزته وتفرزه من دلالات وتداعيات، بل قد لا يتوانى البعض من هؤلاء عن القول بأن ما حدث ويحدث من (تغيير) فـي الشأن المحلي ربما نشأ تحقيقاً لرغبة هذه القوة السياسية أو تلك النخبة المتنفذة خارج الحدود.
وتعليقاً على هذا اللغط، المستتر منه والمعلن، استأذن القارئ الكريم بطرح المداخلة الآتية:
أولاً: لا أشك لحظة واحدة في أن هناك قناعة متينة لدى قيادتنا الرشيدة بالحاجة الملحة لإخضاع كثير من ظواهرنا التنموية بكل أطيافها ومضامينها وأغراضها للدراسة المتأنية، تشخيصاً لها، وبحثاً عن الحلول الملائمة لاحتواء سلبياتها؛ حتى يتمكن مجتمعنا من اللحاق بركب الحضارة العالمية، دون تفريط بمثله وثوابته العليا، ولا إفراط في رفض (نسمات التغيير) التي توحي بها تراكمات النمو الداخلي، وتمليها تداعيات التفاعل الدولي القائم والقادم بين المملكة ودول العالم، شعوباً وحكومات!
ثانياً: انطلاقاً من الرؤية السابقة أقول إنني لا أجد سبباً واحداً يرغم أحداً منا على الربط بين حاجتنا للتشخيص والعلاج للعديد من أوضاعنا وبعض (سيناريوهات) الموقف العربي أو العالمي من حولنا، المعلن عنه والمستتر، كيلا يبدو وكأن بلادنا تروم (التغيير) استجابة لضغوط خارجية، وليس لقناعة ذاتية نابعة من أعماق مصلحتها الوطنية بأهمية التغيير واعتباره مطلباً نشأ من (رحم) الوجدان الوطني العام، والرغبة السياسية الحكيمة في إحداثه!
ثالثاً: وهنا أؤكد أن أي تغيير ينشده ولاة أمرنا - أيدهم الله -، ونتطلع إليه نحن أهل هذه البلاد، يستمد شرعيته ومضمونه وأداته من الداخل، وليس وحياً يوحي من الخارج، استهداءً بقول الله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}؛ ومن ثم فالتغيير فـي بلادنا شأن داخلي نبتغيه لما نروم فيه من صلاح للبلاد والعباد، ولا نسعى إليه إرضاءً لهذه الدولة أو ذلك التكتل خارج حدودنا!
رابعاً: أعتقد أن هناك ضرورة لتكوين بنية بحثية مؤهلة لدراسة وتشخيص إيقاع نمونا الراهن، والمشكلات التي تحبط أو تعوق إنجازه؛ ومن ثم اقتراح برامج استراتيجية بعيدة المدى لتقويم أدائنا العام، اقتصادياً واجتماعياً وتربوياً وثقافياً، فـي ضوء تطلعاتنا وأحلامنا وإمكاناتنا ومواردنا المتاحة.
خامساً: إن خير أمنية يرومها مخلص لهذا البلد هي توظيف اهتمامنا، حكاماً ومحكومين، وكل مواردنا وطاقاتنا، مادية ومعنوية؛ لتقويم وتطوير حراكنا التنموي؛ لأن صلاح أمرنا على هذا الصعيد سيصرف عنا - بإذن الله - الفتن ما ظهر منها وما بطن، وسيخرس الألسن والأقلام المتربصة بنا خارجياً، وسيجعلنا بحول الله أمة أكثر حضوراً وأعز شأناً!