قرأت فيما قرأت عن التسميات التي يصف بها أصحابها جماعات أو تيارات أو حركات أو أحزاباً وجميع ما سبق يأخذ لديهم صبغة دينية، أقول قرأت لأوصاف تلك المسميات والتحليلات التي تم تقديمها
والأوصاف التي تم نعت أتباع تلك الجماعات بها فلم أجد حقيقةً ما يمكن أن يعطي أية مدلولات إيجابية على المدى البعيد وإن كان لدى بعض تلك الأوصاف قليل من الإيجابيات فهي لا تتعدى في ظاهرها المدى القصير، ويخفى على الكثير المراد والهدف المراد تحقيقهما على المدى البعيد.
يرى بعضهم في معرض محاولاته لوصف السلفية وتحليلها والنظر في ابعادها ومحتواها وتوجهات أصحابها ومصادرهم ووصوفاتهم رغبة في عدم إطلاق مسميات لهم كالتنظيم أو الحركة أو التيار بل يكتفون بذكر الجماعة وصفاً لهم، فمما قرأت أن لقضية «التنظيم» إشكالية كبيرة عند دراسة الحالة السلفية في العالم وتحديداً في مصر، فبالرغم من اتساع الرقعة التي يشغلها السلفيون المصريون من الخارطة الإسلامية في هذا البلد، فإن أصحاب هذا الحيز موجودون بلا تنظيم هرمي ينخرطون فيه ويسير شئون دعوتهم.
وعلى عكس «الإخوان» و»الجماعة الإسلامية» و»الجهاد» و»حزب التحرير» و»التبليغ» ليس في أدبيات السلفيين كلمة «تنظيم» على الإطلاق، بل يستعيضون عنها بمصطلح «العمل الجماعي»، ويرون ذلك تحصيل حاصل؛ لأن كلمة «جماعي» تغني عندهم عن كلمة «تنظيمي».
أما تعريفهم للعمل الجماعي فهو: «التعاون على ما يُقدر عليه من إقامة الفروض الكفائية مثل الأذان، وصلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، والأعياد، والدعوة إلى الله، والقيام على حقوق الفقراء والمساكين، وتعليم المسلمين وإفتائهم بمقتضى الشرع، وسائر ما يقدر عليه من فروض الكفايات».
ولأصحاب هذا المنهج تأصيل شرعي في كافة تفريعات العمل التنظيمي، مثل: البيعة، والسرية، والشورى، ووجود الإمام من عدمه، وأيضا قضية «المسمى»، وهم يستمدون موقفهم في العمل الجماعي (التنظيمي) من فتاوى وكتابات عدد من العلماء القدامى مثل الشيخ ابن تيمية، والإمام الجويني، والعز بن عبد السلام، ومن العلماء المعاصرين الإمام الألباني، وعبد العزيز بن باز، وابن عثيمين، وعبد الرحمن بن عبد الخالق، الذي يقول في كتابه «أصول العمل الجماعي»:
«إن أي جماعة تجتمع على مقتضى الكتاب والسنة والالتزام بإجماع الأمة، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم هي جماعة مهتدية راشدة ما دام أن اجتماعها وفق هذه الأصول ووفق قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]»، ولا يفرق عبد الخالق في تأسيس الجماعات بين حالتي حضور الإمام وغيبته، مؤكداً «أن وجود الإمام العام لا يلغي وجود الجماعة الصغرى، وجماعة الدعوة والبر والإحسان.. فإذا كان الإمام العام راشداً قائما بالحق فإن الجماعة الصغرى سند له وقوة».
وبشكل عام يرى السلفيون جواز ومشروعية العمل الجماعي (المنظم)، بشرط تحقيق المصلحة ودفع المفسدة، وهو ما يلزم عندهم أشياء منها:
عدم المصادمة مع الحكومات المدنية، لأن ذلك يجر على الدعوات كثيراً من المفاسد ويجعل الناس تستهين بدماء المسلمين، والبعد عما يفهم منه خطأ البيعة والسرية حال التمكن من الجهر بالدعوة، فتكون السرية حينئذ مخالفة للمقصود من الدعوة، وعدم التعصب للجماعة، بل يكون التعصب للحق.
لا أرى حقيقةً سبباً يجعل الكثيرين يهتمون بتسميات ما أنزل الله بها من سلطان مستميتين في سبيل نشر فكر مفاده أن لدى أهل السنة والجماعة عدداً من الأحزاب أو الحركات أو المذاهب وذلك بمحاولة إلصاق عدد من الوصوفات وتفسير نهج وخطاب كل جماعة بمعزل عن الآخرى سوى أن هدفهم ينحصر في محاولة تحويل الدين الإسلامي وخصوصاً أهل السنة والجماعة إلى حزب كبير يتفرع منه تيارات متعددة وليس إلى دين يتفرع منه مذاهب لا تخل ولا تقلل من الأصل بل تتمركز في الفروع وليس في الأصول.
إن محاولة أولئك لتحويل الدين الإسلامي وحينما نقول الدين الإسلامي نقصد به ذلك الدين الحق الذي يستمد منهجه من الكتاب والسنة فقط، محاولتهم لتحويله لتيار به عدد من الأحزاب كالسلفية والإخوان والوسطية والوهابية وغيرها كثير إنما هي محاولة لتصغير الدين الإسلامي وتحويله لتيار وليس للدين بغية إدخال ما يستطيعون عليه من أحزاب متعددة. ولاشك أن العاقل بما أتاه الله من رجاحة في العقل وحكمة في التقويم يستطيع رصد أهدافها بسهولة حيث لم ينم لأولئك جفن حينما علموا أن الدين الإسلامي القويم يُعتبر الآن ولله الحمد والمنة من أسرع الأديان انتشاراً في العالم ويخالف الكثير من الحركات التي لم تنفك تنعت نفسها بالحركات الإسلامية فجيشوا أنفسهم لقزمنة هذا الدين من خلال تحويله لتيار كبير متعدد الأحزاب والحركات متناسين عن قصد أو غير قصد قوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) فدلت هذه الآيات أن دين الإسلام هو آخر الشرائع، وأنه لا يقبل الله تعالى من العالمين سواه، وأنه سيبقى إلى قيام الساعة، وأن الله سبحانه وتعالى قد تعهد بحفظ القرآن بقوله عز جلاله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، ولا شك أن الذكر في هذه الآية هو القرآن الكريم، وهذا وعد من الله عز وجل بحفظ كتابه الذي يمثل المنهج القويم لأهل السنة والجماعة دون تلك الأحزاب أو التيارات. إلى لقاء قادم إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com