تتصدر أخبارها مانشيتات الصحف العالمية، وتتجاوز تفاصيل حياتها عامل المكان والزمان وتصبح في ظرف دقائق قليلة حاضرة أمامك على شاشة الآي- فون أو التلفزيون، صورها غزت واستولت على اهتمام كافة وسائل الإعلام، ومحطات حياتها أصبحت جزءا من حوارات يومية يجريها سكان العالم مع بعضهم، وارتبط اسمها بالشهرة والمال والضوء، فهي التي تحدث الكثير من الجدل والصخب حولها أينما حلّت وهي التي تفجرت شهرتها في السنوات القليلة الماضية وغزا اسمها العالم باتجاهاته الأربعة.
فكيف استطاعت «كيم كارداشيان» الفتاة الأمريكية ذات الأصول الأرمنية أن تصبح وجهة الجمال، وأيقونة الموضة، ومحط متابعة واهتمام واسع من جمهورها عالمي الصبغة؟ وهل كل هذا الضجيج والضوضاء الذي يحدثه اسمها هو لعبة إعلامية مدبرة سلفا؟ أم هو «الفضول» الذي دفع الناس لمتابعة البرنامج الذي ينقل أسلوب حياة هذه الأسرة بكافة تفاصيلها، وتتقاضى لمجرد الظهور فيه مستلقية على أريكة المنزل، أو مستغرقة في إجراء حوار مع والدتها أو إحدى أخواتها عشرات آلاف الدولارات؟؟ أم هو الفراغ الذي استشرى بشراسة على حياة الناس، والسطحية التي تغلغلت في عقولهم مما دفعهم لملاحقة أخبارها والشعور بلذة الحصول على التفاصيل الحصريّة لها؟
في الحقيقة حاولت أن أجد إجابة جازمة على هذا السؤال ولكنني وجدت نفسي أعود بوفاض خالي مع إلحاح الأسئلة وشح الأجوبة!
حاولت أن أبحث عن الإجابة لا لشيء، بل لمجرد محاولة إيجاد تفسير مقنع لهذا التصاعد المخيف مثلا في عدد الفتيات العربيات اللاتي يتخذنها مثالا وقدوة وأسلوب حياتها حلمًا يسعين للوصول إليه.
فكم تألمت حينما سألت إحدى قريباتي ذات الأربعة عشر عامًا من من الشخصيات العالمية المعاصرة تتمنين أن تقضي معها يومًا من حياتك؟ فجاءت إجابتها سريعة وحاسمة: كيم كارداشيان.
من أكثر المشاهد المحزنة هي ذلك التجمهر الضخم وآلاف الوفود التي حضرت بالآلاف لاستقبالها وهتفت باسمها وكأنها بطل قومي خلال زيارتها الشهر الماضي لدبي، فقد شاهدت بشرًا من كافة الأعمار والجنسيات، بعضهم شباب في ربيع العمر نعوّل عليهم كثيرا للدفاع عن قضايا الأمة المصيرية، وننتظر منهم صناعة نهضة حضارية وصناعية واقتصادية تخلق لنا مكانة وهيبة تحت الشمس، يرتدون قمصانًا طبعت عليها صورها ويحملون لافتات تحتفي بها وبزيارتها، وهم بالطبع ليسوا أول من رفعوا اللافتات لأحد المشاهير وليسوا آخر من سيحملها، ولكن أكثر ما يثير الاستغراب والدهشة أنها حصدت جماهيرية ضخمة رغم أنها بلا هوية وحين تسألهم ما هي صفتها؟ سيعجزون عن إيجاد إجابة، فلا هي مطربة أطربت جمهورها بصوتها العذب، ولا هي ممثلة أدهشت هوليود والعالم بموهبتها المتفردة في التمثيل، ولا هي عارضة أزياء مشطت أشهر منصات العرض في باريس ونيويورك وهي ترتدي ثيابا لأعرق المصممين، ولا هي مقدمة برامج قدمت للمجتمع الأمريكي نفسها والآخر بشكل جميل وراقي، ولا هي التي قدمت أعمالا خيرية للإنسانية ففازت بقلوب شعوب العالم.
هي باختصار بلا هوية ولا سمة تميزها عن غيرها، بدأت رحلة الشهرة بشريط إباحي هي وصديقها السابق، ثم ظهرت كبطلة في أحد برامج تلفزيون الواقع في أمريكا وهي تمارس حياتها التي ينخر بها فراغ المضمون وراء واجهة صاخبة وهي تبيع صورها للمجلات الأمريكية التي انبهرت بجمالها الشرق أوسطي ابتداء من الشعر الأسود الطويل وصولاً للعيون البنية الواسعة وانتهاءً بتضاريس جسدها الممتلئ ذي الطابع العربي مما ساعدها على الوصول إلى النجاح والنجومية في «زمن الصورة».
فكم هو حزين واقع الشباب والمراهقين الذين كانوا قبل سنوات أصحاب ذوق راقٍ يطربون لصوت فيروز وأبيات نزار ودرويش يغريهم حياء الفتاة وغنجها الطبيعي الآسر، وتشغلهم قضايا عميقة وتسكنهم همم عالية وآمال عظيمة تعبت في مرادها الأجسام.
أما شباب «السطح» اليوم يعيشون فوضى عارمة وفراغاً مخيفاً في الفكر والذوق والحياة مما يجعلنا نخاف ونخشى على حاضرنا ومستقبلنا فكما يقال من الصعب أن يقف الكيس الفارغ منتصباً.
Twitter:@lubnaalkhamis