- ماذا يعني وجود مراقبين لحماية المدنيين في سوريا؟
- إنه يعني أن سلطات القمع لن يعود بوسعها أن تطلق النار على المتظاهرين مجانا. إنه يعني أيضا أن المتظاهرين إذا ما توفرت لهم الحماية الكافية، سوف يخرجون لا ليواجهوا الموت كما ظلوا يفعلون على امتداد 8 أشهر، ولكنهم سيخرجون ليقولوا كلمة الحق، وليطالبوا بحقوقهم المشروعة.
- هل ستجرؤ اجهزة القمع على أن تواصل أعمال القتل والتنكيل؟
- نعم سوف تجرؤ إذا كان المراقبون عربا، ولكن جرأتها ستكون أقل إذا كان المراقبون مزيجا من عرب وأجانب. السلطات السورية تعرف أن المراقبين العرب إذا جاءوا بمفردهم سيكونون من دون أسنان. ودولهم قد لا تفعل الكثير إذا ما واصلت سلطات دمشق انتهاكاتها، كما أنها ستعيد حساباتها مرات ومرات قبل أن تفكر بإرسال جيوشها للدفاع عن المراقبين أنفسهم إذا ما تعرضوا للتهديد. وفوق ذلك فإن الكثير من الصحافة العربية المؤدلجة قد لا تقف معهم، مما يحد من قيمتهم كأداة ردع.
هذا النمط من «الصحافة» مبرمج على إيقاع «الصمود والممانعة»؛ الصمود على رأس الطغيان، والممانعة للحقوق والحريات. وهي خير شاهد على ثقافة الزور، ولكن الأمر سيختلف لو أن المراقبين أجانب، فهؤلاء ستكون لديهم أسنان حتى ولو جاءوا بقمصان الـ»تي شيرت».
وحكومات الممانعة لا تخاف إلا من الأجانب، هي عنتر على شعوبها، ولكنها غير ذلك حيال الأجانب.
شيء من الحرية هو ما سوف يتحقق، وستعرف السلطات في دمشق أنها قليل الشعبية إذا ما اختار المواطنون أن يخرجوا عن بكرة أبيهم، كما فعلوا غير مرة، ولكن هذه المرة لن يكون بوسعها أن تطلق عليهم النار، لتقف أمام عجزها، حتى وإن عجزت عن فهم معناه.
والمعتقلون يجب أن يخرجوا، من دون تمييز أو استثناء بمن فيهم أولئك الذين تتهمهم السلطات بأنهم ارتكبوا أعمال عنف مسلح. فعدا عن أن عنف السلطة كان هو الذي أودى بحياة الآلاف، فالكل يعرف أن الرئيس السوري أصدر لثلاث مرات عفوا عاما عن جميع الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت على خلفية هذه الانتفاضة، ولكيلا يقتصر العفو ليكون عفوا عن جرائم شبيحته، فإنه سيمنح العفو شيئا من الشرعية إذا ما طال الطرف الآخر، كما أنه سوف يمنح نفسه فرصة أفضل للحوار مع المعارضة إذا ما تم إفراغ كل السجون من المعتقلين، وإذا ما تم تقليم أظافر الأجهزة الأمنية بوجود المراقبين، فإن التحقيقات بالانتهاكات سوف تبدأ ميدانيا بالحديث مع الآلاف من الشهود، وسيجد النظام نفسه مضطرا الى أن يقدم كشف حساب حقيقي لأعماله.
وجود مراقبين، لديهم أسنان، سوف يجعل السلطة تفكر مرتين بالعودة الى الخيارالأمني، إذا ما امتدت التظاهرات لتجتاح دمشق وحلب وغيرهما من المدن التي ظل المتظاهرون يخرجون فيها على موعد مع الموت.
شيء من الحرية سيأتي ليقول للسلطات السورية ان التغيير حاصلٌ لا محالة، وأنه لم يبق لها ما تراهن عليه إلا وضع «استراتيجية خروج» متماسكة، لكي تضع حدا لسوء العاقبة. والعاقبة يمكن أن تسوء أكثر مما يمكن للمرء أن يتصور.
لقد خسرت السلطات السورية الكثير من الفرص، وخسرت الثقة بأنها قادرة على إدارة مرحلة انتقالية حقيقية لبناء نظام جديد، لقد ترك النظام نفسه ليس للشبيحة وحدهم، بل لعقلية التشبيح لتكون هي الحاكم الفعلي. وهذه هي النتيجة الآن: لم يعد هناك من يثق به، ولم يعد لديه ما يقدمه إلا القبول بالأمر الواقع. والأمر الواقع هو أن إرادة الناس ستنتصر كما انتصر الذين من قبلهم.
قصارى القول: إن القبول بوجود مراقبين دوليين إذا كان سيمنح المتظاهرين المزيد من الثقة، فإنه سيكون بمثابة الخطوة العملية الأولى في طريق التغيير.
وشيء من الحرية سيأتي ليكتب فصلا جديدا من التاريخ.
كاتب وناشر ورئيس تحرير «المتوسط اونلاين».