حتى لو كان.. الرئيس التونسي السابق (زين العابدين بن علي)، والرئيس المصري السابق (حسني مبارك)؛ جلادين، ومستبدين، وفاسدين.. حتى لو كانا كذلك؛ فرعاهما الله؛ مقارنة بما أحدثه ويحدثه قادة آخرون على الساحة العربية.
أقول هذا.. وأنا أرى وأشاهد على القنوات الفضائية بشكل يومي على مدى عشرة أشهر، دماء أبناء الشعب السوري، وهي تسيل على أراضي دمشق وحمص ودرعا وغيرها من المدن والبلدات.
أقول هذا.. وأنا أرى وأشاهد طيلة عدة أشهر، دماء أبناء الشعب اليمني، وهي تسيل على أراضي صنعاء وتعز وعدن وغيرها من المدن.
أقول هذا.. وقد تفطّر القلب من مناظر إجرامية بشعة، كانت تبث إلينا من الأراضي الليبية طيلة عدة أشهر. آلاف الناس قتلوا وسحلوا وذبحوا كالنعاج، لأن ملك ملوك إفريقيا، ورئيس القادة العرب، وقائد الفاتح من سبتمبر، والحالم بقيادة العالم أجمع، أراد قبل أن يهلك في حفرة (عروبية) جديدة، أن يطهر الأرض الليبية، من الجرذان والفئران، فزحفت عليه جحافل الشعب الليبي، حتى اضطرته إلى ماسورة مياه صرف، ليخرج منها مقتولاً مدحوراً.
أقول هذا والرئيس السوري بشار الأسد، يتفرج كل يوم طيلة أشهر ثمانية، على جنائز عشرات المذبوحين من الشعب السوري، وهي تسير نحو المقابر، ومع ذلك يصر على الفرجة اليومية، وكأن قواته ورجال أمنه، يمارسون تطهيراً مماثلاً لما كان يمارسه الهالك القذافي، وكأن حشود الجرذان والفئران التي ادعاها القذافي قبل هلاكه، تستنسخ من قطر عربي إلى قطر عربي آخر. في سورية تحديداً.
أقول هذا والرئيس علي عبد الله صالح يناور ويحاور، مع أن مشهد الصدام اليومي في المدن اليمنية، لا يحتمل أكثر مما هو فيه، فالناس محاصرون بالجوع والعطش والخوف، والخريطة اليمنية مهددة بالتقسيم والتجزئة.
لا يملك الواحد منا وهو يعيش هذه الأجواء المشحونة بالقتل والدمار والخراب في هذه البلدان، إلا أن يتذكر محاسن الرئيسين المستقيلين: (مبارك وزين العابدين). يتذكر محاسنهما ولا ينسى المساوئ بطبيعة الحال. فمن محاسن الرئيس التونسي السابق، والرئيس المصري السابق، أنهما أسرعا بالرحيل قبل أن تتحول الدماء في بلديهما إلى أنهار.
رحل الرئيس التونسي السابق، بعد أيام من هبوب العاصفة على تونس، وبعد أن شعر بأن الطوفان قادم، وأنه سوف يأكل الأخضر واليابس لا محالة، وفعل الرئيس المصري السابق الشيء نفسه، عندما شعر بالخطر، فجنب الرئيسان بلديهما المزيد من القتل والدمار والتشرذم.
كان زين العابدين دكتاتوراً.. نعم. وكان حسني مبارك دكتاتوراً.. نعم. لكن الاثنين معاً لا يقارنان بالقذافي وبشار وصالح.
مبارك وزين العابدين، امتثلا للحكمة بعد ظهور النقمة، واحتكما للعقل في اللحظة الحرجة. اللحظة التي فصلت بين بعض البلاء وكل البلاء.
إلى متى يجوع الإنسان السوري ويعرى ويقتل..؟
وإلى متى يجوع الإنسان اليمني ويعرى ويقتل..؟
وإلى متى يظل مثل هؤلاء القادة، يعاندون الواقع، ويصادمون الحقيقة، ويغالطون المنطق، ويتشبثون بالأوهام، وهم لا يبالون بما ترتكبه أدواتهم القمعية من جرائم يومية..؟!
assahm@maktoob.com