لقد أباح الله السعي لطلب الرزق الحلال قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم).
وقد تعددت أنواع المكاسب في العصر الحاضر وتوسعت توسعاً وصل بها إلى حد الوقوع في مكاسب محرمة يعتقد أصحابها إباحتها، لكونها مما أفرزته تلك الحضارة الزائفة التي أفسدت المجتمعات، ومن تلك المكاسب المحرمة:
1. التعامل بالربا في بعض المصارف وبين بعض التجار، حين يسمون الفوائد الربوية بغير اسمها، فقالوا: عمولة، وحوافز، وهدية، وأتعاب، ومصاريف إدارية، وغير ذلك من المسميات التي الغرض منها التعتيم على الأذهان، ولا تزال تلك الحيل الباطلة تدس السم في العسل حتى اليوم بلا رقيب، وأشد من ذلك أولئك الذين يقرضون بالفائدة ويجعلون المعاملة من بيع التورق، وهي في الحقيقة صورة من صور الحيل الربوية، فيبيعون العميل معادن لا وجود لها حقيقة ولا يستطيع العميل قبضها لو أراد، حتى أني سمعت أحد موظفي بنك يقول للعميل لما سأله عن مكان المعادن قال موجودة في سويسرا اذهب إلى هناك واقبضها - منتهى التعجيز - ثم يطلبون من العميل توكيل البنك لبيعها، وهذا من القرائن الدالة على عدم المصداقية، وفي خلال ساعات ينزل المبلغ في حساب العميل المسكين الذي ينتظر هذا المبلغ بفارغ الصبر لشدة حاجته إليه دون أن يفكر في نوع التعامل وشرعيته، والبنك يستغل هذه الحاجة خاصة لدى فئة الشباب، فهذا نوع من الربا المبطن، نسأل الله السلامة.
2. الصورة الثانية: بعض تجار الملابس ينزعون الماركة الحقيقية لكونها غير معروفة أو رديئة ويضعون بدلها ماركة مشهورة، من أجل التمويه على المشتري وبيعها بأغلى الأسعار، هذا هو الغش بعينه. (من غشنا فليس منا).
3. الصورة الثالثة: بعض تجار التمور والفواكه لديهم غش من نوع آخر، وهو وضع الثمرة الصغيرة والرديئة أسفل الصندوق وفي أعلاه أفخر الأنواع حجماً وجودة، مما يدفع الزبون إلى الشراء من أول نظرة. وإذا وصل إلى المنزل أصيب بخيبة أمل حين رأى الحقيقة المخزية، وليس أمامه إلا قول: حسبنا الله ونعم الوكيل.
4. من يتاجر بالمحرمات كالدخان والجراك والمعسل، وبلا حياء، وقد ثبت ضررها بلا مجال فيه إلى الشك، فهي خبيثة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، بل أصبح للجراك والمعسل محلات خاصة، وبلوحات مميزة ورخص مستقلة من الجهات المسئولة في الأمانة، حتى أصبحت محلاتهم تزاحم محلات الفواكه والخضار، فهل يجتمع الخبيث والطيب؟ وكما أن الدال على الخير كفاعله فإن الدال على الشر كفاعله، وفسح مثل هذه المحلات الخبيثة من باب التعاون على الإثم، فهل من مدكر.
هذا على سبيل المثال لا الحصر، فاتقوا الله أيها التجار، واعملوا صالحا، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ألم تجد أيها التاجر من أنواع البيوع إلا البيع في المحرم؟ وأنت تعلم أن كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، وتعلم أن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
أتمنى أن يأتي اليوم الذي تمنع فيه رخص محلات الدخان والجراك والمعسل من قبل الأمانة، فهي تسيء إلى سمعة هذا البلد الطيب، وتستبدل بغيرها من المباح، هذه هي المكافحة الحقيقة، لا اللافتات والشعارات والندوات والمؤتمرات التي تخدم الإعلام فقط، من يسعى إلى المكافحة الحقيقة يعرف من أين تؤكل الكتف، فإلى متى ونحن نبني ونهدم، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، فاتقوا الله أيها التجار ومن يتق الله يجد له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.
المعهد العالي للقضاء
dr-alhomoud@hotmail.com