دأبت إيران على تمويل خلاياها النائمة في منطقة الخليج، علانية تحت غطاء الدعم الاجتماعي، أو إعادة توزيع «الخمس» على الفقراء؛ وسرا من خلال السفارات، وممثلي مرجعياتها في المنطقة، وأعضاء الحرس الثوري المتخفين ضمن الحجاج والمعتمرين. يُشكل الخمس موردا هاما للمرجعية الإيرانية، ويُساعدها في إنفاقها السخي على عملائها المنتشرين في دول الخليج. التدفقات المالية بين دول الخليج وإيران شهدت ازدهارا برغم المحاذير الأمنية، والمخططات الإيرانية التي تستهدف أمن وإستقرار دول المنطقة.
يبدو أن دول الخليج تأخرت كثيرا في اتخاذ موقف موحد تجاه الخطر الإيراني وهو ما ساعد إيران على استغلال التناقضات، وتمرير الأموال القذرة من خلال بعض البنوك الخليجية، وزرع خلاياها النائمة بأسلوب إستراتيجي يصعب التعامل معه بعيدا عن التصادم المُثير للمشكلات الأمنية والاجتماعية. غض الطرف عن التدفقات المالية المُثيرة للشبهات أدى إلى كسب إيران مزيدا من القوة والانتشار في معظم الدول الخليجية، وإن كانت بشكل أكبر في البحرين والكويت، التي أعتقد أنها ستشهد الخطة البديلة لإيران بعد فشل مخططها الانقلابي في مملكة البحرين.
السلطات البحرينية أعلنت عن ضبط خلية خططت لتنفيذ «عمليات إرهابية» ضد منشآت حيوية، وشخصيات بارزة في البحرين، وكذلك مقر السفارة السعودية في العاصمة «المنامة». الإعلان عن ضبط الخلية الإرهابية المرتبطة بإيران جاء بعد شهر تقريبا من كشف الولايات المتحدة تفاصيل استهداف عملاء إيران لمقر السفارة السعودية في واشنطن، وتصفية السفير عادل الجبير.
رئيس النيابة العامة البحريني، أسامة العوفي، ذكر في مؤتمر صحفي أن أحد أعضاء الخلية الإرهابية استلم «من عناصر إيرانية مبالغ مالية لتمويل الجماعة»؛ التمويل الإيراني للخلايا النائمة، والجماعات الإرهابية بات أمرا مكشوفا للجميع. قد تجد السلطات الأمنية صعوبة في ملاحقة الأموال النقدية المهربة، إلا أن قيود التدفقات النقدية التي كانت تمر من خلال القطاعات المصرفية الخليجية لا يمكن إخفاؤها؛ وما زلت أعتقد أنها الوسيلة الأكثر نجاعة لكشف أسرار الخلايا النائمة والشخصيات المتورطة بعلاقاتها المشبوهة مع إيران.
السيد «العوفي» أشار إلى أن أحد أعضاء الخلية المُكتشفة سافر إلى إيران «لتدريبه على استخدام الأسلحة والمتفجرات»!؛ أعتقد أن الحرس الثوري الإيراني والباسيج تجاوزوا مرحلة التدريب إلى مرحلة التنفيذ، وجميع أعضاء خلايا الخليج النائمة باتوا من المتمرسين في تنفيذ العمليات الإرهابية، بعد تجاوزهم مرحلة التدريب خلال سنوات مضت غضت فيها دول الخليج النظر عن بعض مواطنيها الذين دأبوا على زيارة إيران، سوريا، ولبنان بهدف التدريب على عمليات التفجير، القتل، التخريب، إدارة الحشود، وإثارة الفوضى، وأي عمليات تدريب جديدة يمكن تصنيفها ضمن سياسة الاستكثار والتوسع وتوفير البديل. إيران تسعى إلى إعادة تطبيق إستراتيجيتها الناجحة في لبنان؛ التي مكنتها من السيطرة العسكرية، والسياسية، وبسط نفوذها على البرلمان، وتنفيذها انقلاب سياسي (ديموقراطي) لم يخلو من عُنصري الترهيب والترغيب؛ في بعض الدول الخليجية. إستراتيجية السيطرة والتحكم من الداخل باتت أعظم خطراً وتدميرا على المدى الإستراتيجي البعيد، من الخلايا النائمة التي ربما توقف عملها بعد تنفيذ العملية المستهدفة.
إيران تراهن على قوتها التخريبية، وقدرتها على تحريك خلاياها النائمة في المنطقة، وأحسب أنها تمثل الخطر الأكبر على دول الخليج. مواجهة إيران ربما كانت في الداخل لا الخارج، وربما كشفت الأيام القادمة عن محاولتها تنفيذ عمليات إرهابية، وإشاعة الفوضى في بعض دول المنطقة، لخلط الأوراق، والحؤول دون استهدافها عسكريا، أو للتخفيف عن النظام السوري، الذي يمثل سقوطه الوشيك ضربة موجعة لإيران.
بصمات الحرس الثوري كانت واضحة في مخطط استهداف السفير الجبير، والسفارة السعودية في واشنطن، واقتحام السفارة السعودية في سوريا، إضافة إلى التخطيط لتفجير السفارة السعودية في البحرين، وجسر الملك فهد، وهي العملية التي كشفت عنها السلطات الأمنية في قطر، الدولة الأكثر قربا لإيران من بين دول الخليج الأخرى!. إيران دولة منغمسة في الإرهاب الدولي، ومع ما تمثله من خطر محدق بدول الخليج ما زال البعض يتعامل معها بلغة الصديق لا العدو، ما جعلها أكثر جرأة وعدوانية في تعاملها مع دول المنطقة.
التضييق على الخلايا النائمة، وكشفها، ورفع معدلات التحوط الأمني الداخلي، وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب الذي يستغله الحرس الثوري الإيراني، وقطع العلاقات التجارية، واتخاذ موقف سياسي موحد هو السبيل لحماية دول الخليج من الداخل، وضمان أمنها واستقرارها بعيدا عن المخططات الإستراتيجية الإيرانية الموجهة للسيطرة على دول المنطقة وتحويلها إلى دويلات تابعة للمرجعية الصفوية في إيران.
f.albuainain@hotmail.com