تحدثت في الموضوع السابق عن مفهومي الشفافية والمساءلة الإدارية، اللذين عند غيابهما ينتشر الفساد الإداري والمالي بشتى صوره وأشكاله في منظمات الإدارة العامة، فهما مفهومين مترابطين ويعزز كل منهما من وجود الآخر،
فالشفافية تعني كشف الاهتمامات والأهداف والدوافع والموارد والإعلان عن المبادئ، أي توفير المعلومات الدقيقة في وقتها وإتاحة الفرص للجميع للاطلاع على هذه المعلومات. حيث إن توفر المعلومات الصحيحة يوسع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة، ويحاصر الفساد الإداري والمالي، وهي الخطوة الأولى في محاربة الفساد، لكنها تتطلب وسائل اتصال ومجتمع قادر على الحصول على المعلومات واستخدامها في المساءلة، والتي تعني التزام منظمات الإدارة العامة بتقديم كشف حساب عن طبيعة ممارساتها للواجبات المنوطة بها، بهدف رفع كفاءة وفعالية هذه المنظمات.
ونواصل الموضوع السابق، ونكمل متطلبات تفعيل دور الشفافية، والطرق الكفيلة بدعم وتحسين المساءلة الإدارية في المنظمات والمؤسسات العامة، فنجد أن أهم متطلبات الشفافية في المنظمات، هو الكشف عن جميع مختلف قواعد الأنظمة والتعليمات والإجراءات والآليات المعتمدة، وتعتبر هذه أول خطوة عملية جادة في الاتجاه الصحيح للإقرار عملياً بالمكاشفة والمحاسبة والتطهير والتغيير والإصلاح، لذا ينبغي على المنظمات الالتزام بالانفتاح والشفافية والأمانة، فيما يتعلق بالمنظمة ورسالتها وسياستها ونشاطاتها على كافة المستويات الإدارية، وبشكل يسمح بمساءلة جادة للمنظمة وللعاملين بها فيما يتعلق بمعاملاتها مع الأطراف ذات العلاقة، وهذا يشمل العمل ضمن إجراءات واضحة ومعلنة، ذات علاقة بسياسات المنظمة المالية والتنموية، والالتزام بسياسة واضحة للنشر تتضمن حفظ وتوثيق كل ما يتعلق ببناء المؤسسة وعملها، وتوفير المعلومات الصحيحة للجمهور العام بأعلى مستوى من الدقة، واتخاذ الإجراءات التي تضمن حفظ السجلات والمعلومات التي تتعلق بعمل المؤسسة، بما يضمن دقة المعلومات والأمانة وسهولة عملية عرض المعلومات وتحليلها وتقديمها لطالبيها وفق إجراءات واضحة ومنظمة، مع تبني إجراءات مكتوبة ومعلنة تحمي الموارد البشرية في المنظمة، من الممارسات غير المهنية. أما وسائل دعم وتحسين المساءلة، فتتطلب أساليب وإجراءات لتحسين رفع مستوى الشفافية في أداء المنظمات، ومن ذلك وجود نظام لمراقبة وضبط أداء المسؤولين والمؤسسات العامة، خصوصاً من حيث النوعية وعدم الكفاءة أو العجز وإساءة استعمال الموارد واستغلال نفوذ الوظيفة. ومن الأهمية بمكان، وجود نظم صارمة ورادعة مع عقوبات تطبّق بحق مرتكبي المخالفات المالية والإدارية...... إلخ، ودعم وتطوير النظام القانوني بالمنظمة، والعمل على القيام بالدراسات المقارنة والتوصيات بإصدار قوانين جديدة، بشأن تعزيز الشفافية وحماية النزاهة ومحاربة الفساد، وهذا لا يتأتى إلا من خلال تنمية الممارسات الإدارية والأخلاقية، والالتزام بالقيم الدينية في أداء الوظائف المختلفة في محاربة الفساد والتصدي له، وذلك لأن معظم حالات الفساد تتم بسرية وبطرق عالية المهارة، فيكون من الصعب وضع تشريعات وقوانين تقضي على أنماط الفساد بصورة تامة في ظل هذه السرية واستغلال التقدم التقني في تغطية الفساد، ويقوم جوهر تلك القيم على فرض رقابة ذاتية تنبع من داخل الفرعلى نفسه، فهو رقيب على سلوكه وأعماله، ورقابة خارجية تتمثل في قدرة الفرد على متابعة وملاحظة الآخرين من مرؤوسيه بغرض توجيه أدائهم إلى السلوك الأفضل المرجو منهم. مع تهيئة بيئة عمل صحية تقوم على محاور ثلاثة هي، إرضاء العاملين، المتابعة الموضوعية، وبث روح الجماعة، فلا شك أن الموظف الذي يتحقق له الرضا الوظيفي سوف يكون أكثر حرصاً من غيره على الالتزام بالممارسات الإدارية السليمة والابتعاد عن الممارسات الفاسدة، كما أن المتابعة المستمرة لأداء العاملين في المراحل المختلفة تساعد على اكتشاف الانحرافات أولاً بأول قبل تفاقم تلك الانحرافات، وكذلك التزام العاملين داخل مؤسسة معينة بروح الجماعة والعمل معاً كفريق واحد يكون من الصعب معه انتشار الفساد فيما بينهم، مع تنمية وعي موظفي القطاع العام والمتعاملين معه بمختلف أشكال الفساد وصوره ومعرفة الأدوات والأساليب اللازمة لمكافحته. ختاماً، إن تحقيق مفهوم الشفافية وتطبيق مبدأ المساءلة الإدارية في عمل منظمات الإدارة العامة بحزم وعزيمة، يُعد أهم وسائل التصدي لمكافحة الفساد، ومطلباً ملحاً ينبغي تطبيقه في مختلف مسارات الخطط التنموية وبرامج الإصلاح الإداري والمالي في كل الدول، لحماية الاقتصاد الوطني والحفاظ على مقدرات الشعوب!!!
abdulaammar@gmail.com