كنا ثلاثة في دمشق، وشئنا أن نزور قديمها القريب من الجامع الأموي؛ حيث مذاق العروبة وألوان بني أمية يُشاءُ طمسُها بعمائم فارس فينبو سيف خالد وتعلو رايةُ كسرى، وما كنا أكثر من رفقةٍ تقرأُ تأريخَ المحوِ فيثورالشجنُ الغائرُ في أعماقِ أسرى سكنهم الصمت.
في المقهى الذي اختاروه محطةَ استراحةٍ عابرة شاءوا مكانًا يلائمهم، ولم يكن فيه سواهم؛ فالوقتُ أول الضحى؛ ليفاجئهم صاحب المقهى برفض جلوسهم محتجًا بحجز الأماكن الفارغةِ؛ فوعدوه بالانتقال فور الحاجة إليه، وعللوا حرصهم على هذه المقاعد بوجود مساند تلائم أحدهم وكان يشكو آلامًا في ظهره.
لم يكن الأمر يتطلب حوارًا أكثر من جانبهم أو جانبه؛ فحقُّه أن يدير مقهاه كما يرغب، وحقهم أن يبحثوا عن مقهًى سواه، غير أن « الأموي الجديد « أزبد وأرعد، وتجاوز حدود اللياقة الخُلقية؛ فاتجه للخليجي « المتورم « الذي يظن أنه يشتري الناس بماله.
حسبوها لقطةَ وهمٍ منه أو توهم منهم؛ ففنجان شاي في مقهى صغير لا تستنفرُ خبايا الزوايا « السوداء» المملوءةِ قَيحًا، وتساءلوا: أهذه دار الألى أضاءت بهم ولهم الشمس، وهل يجوز أن يصبح كرسي في مقهى شبه مهجور وسيطَ هِجاءٍ يعربي ؟
استعاد مع صاحبيه، وأحدهما شامي نالته بركتنا، ذكرياتٍ بائسةً أخرى، ومنها أن الالتقاءَ بمن يراد استقطابهم لتوظيفهم يمر عبر إذنٍ أمني خاص وإجراءاتٍ صارمة مع أن الخدمة لهم « تمامًا كصاحب المقهى؛ ما يشير إلى سوء التقدير.
شامٌ جديد لم يخفق فوق منائره دهاء معاوية وعدل عمر، وشهدنا حواراتٍ مع أصدقاء لنا من مثقفي الشام يلتفتون وراءهم وعن أيمانهم وشمائلهم قبل أن يهمسوا ببضع كلمات لاهثةٍ، وما أثار هذا استغرابنا بالقدر الذي يثيره حضور رجل استخبارات حوارًا صحفيًّا يُجرى مع مسؤول رفيع بدرجة وزير؛ لتنطبق عليهم أغنية فيروز: « فيه حدا بيراقب وحدا يراقب الحدا وفيه حدا فوق الكل عمبيراقب الكل ».
عمَّ البؤس واليأس أشقاءنا ذوي الكرم والشيم حتى ولدت ثورة شعبيةٌ تأخرت حين لم تجد « حماة « - قبل ثلاثين عامًا - من ينتصر لها في زمن الإعلام الأوحد، ويذكر أنه والمصلين في الغرب الأميركي كانوا ينتظرون خطبة الجمعة كي يستمعوا لإيجازٍ عن بغي السلطان المستبد؛ فلا منفذَ سواها، غير« أن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته » «إن أخذه أليم شديد »، وويل لمن لا يؤمنون بعدالة السماء.
الحر لا يضام.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon