دعاني ذات يوم -منذ فترة قليلة- أحد المعارف لحضور حفل عرس ابنه، واستجبت على التو شاكراً له دعوته الغالية وحينئذ وصف لي صديقي قاعة الفرح.
وفي الموعد المحدد تأهبت للذهاب إلى تلك القاعة المقام بها الفرح وحين وصلت وجدت الأخ الداعي يستقبل مدعويه ويدل بهم إلى حيث يجلسون وبمجرد الدخول إلى القاعة لاحظت هرجاً لا تستطيع من خلاله أن تميز بين عبارات الدردشة وكلمات الوعظ، فالملاحظ أن سلوك التفاعل بين المدعويين والمتصدرين لمشهد الفرح أو بين بعضهم البعض، وكأنها عدوى فما أبرئ نفسي من الرغبة في الحديث وقد تملكني شهوة التكلم مع الجالس بجانبي فهو صديق قديم فرقت بيننا الأيام والأعمال فقد سعدت للقائه ودار بيننا حديث مطول إلى حد ما تخللها بعض الضحكات والصياح مما خفت معه صوت الوعظ، فالجميع يتعاطون الحديث بأنماط مختلفة وبأصوات متباينة عبر جماعات الحضور فالأحاديث ممتدة ومعبراً فعلاً عن الأشواق، والتعبير الكيفي عن حرارة اللقاء، ولهفة استرجاع الذكريات، وعقد المقارنات بين حدث الماضي وحالة الحاضر، وصرنا ننشغل به ففقدنا معه شبكة العلاقات ومداومة الاتصالات.
إن حرارة اللقاء، وعبارات الترحيب لم تدع أحداً ملتفة لكلمات الوعظ، ولم يعتبر بأن لكل مقام مقال ولكل أوان حديث.
ولم نقلل مطلقاً من قيمة الموعظة فهي معبرة فعلاً عن آداب العلاقة الزوجية، وعن قيم مؤسسة الأسرة، ومتغيراتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسلوكية والتعامل معها، والوقوف على مغزاها وكيفية الإفادة منها، والتأمل في عناصرها كما ذكرها الواعظ الكريم ولكن ليس هذا وقتها.
في المقابل فإن حاضر اللقاء يفرض الانشغال بالأصدقاء والمعارف والأحباب والأخذ والعطاء معهم حيث إنها طبيعة التواجد في فعاليات الفرح بما له من مقومات أخرى غير التواجد في قاعة محاضرات أو في مركز أدبي أو في نادٍ ثقافي فكل من هذه المواقع لها محددات ومتغيرات ومقومات متباينة وإن سار واقع مجتمع الفرح بعناية لشيء آخر غير ذلك سيحاول القائمون عليه الالتزام بمعطيات ثقافة الفرح ومنهجية الاحتفال ومطالب العريس من إشاعة البهجة وإضفاء جو الحضور بالفرح الذي يعم جنبات صالة الأفراح وتقديم أساليب الترويح في حرية وشفافية وانطلاق بهيج منسجم ومتناغم ومتناسق مع طبيعة الفرح في ضوء ثقافة المجتمع مع الوضع في الاعتبار أن أمد الفرح قصير بينما الموعظة ممتدة عبر زمن أرحب مما يعطي مردودا أكبر إفادة وأبلغ مكانة.
ويرى البعض أن العظة تكون ذات موضوعية إذا كانت حالة في موعدها ومكانها ومقصدها غير صالة الأفراح.
فما رأى السادة علماء الاجتماع بفرضية الأنتروبولوجي والطبيعي في ضوء الضرورة البشرية ومواكبة مع ركب الحياة المعاصرة، ووفقاً لهندسة المجتمع الإنساني في عالم متغير.
مع الوضع في الاعتبار أن من نتائج الدراسات في علم الاجتماع التطبيقي أن ليس ثمة ما هو قطعي في معترك الحياة الاجتماعي فالأمر فيها نسبي ولا اختلاف عليه ونستشهد في ذلك بما رواه «أبو يعلى» في (طبقات الحنابلة) أن رجلاً وضع مؤلفاً في الاختلاف فقال له أحمد لا تسمه «اختلافاً» بل سمه «سعة» بما يعني سعة في الفكر وثراء في الفهم.