أوجه الشبه بين حل قضية فلسطين وحل مشكلة العمالة لدينا متعددة، أولها هو أن الحق في كلتا القضيتين واضح ولا يحتاج لجمع ولا طرح، ولكن المشكلة هى أن القوى التي تقف في وجه حل المشكلتين قوية ومتشابهة. فمن يقف في وجه حل الأولى دولة إسرائيل وجماعات الضغط اليهودية؛ ومن يقف في وجه حل الثانية قوى التستر وجماعات ضغط الإتجار في الفيز.
وفي القضية الأولى احتلال واضح وصريح لقوى أجنبية لأرض جماعة أخرى، وفي القضية الثانية تسلط جماعات عمل أجنبية على أرزاق قطاع كبير من الجماعات الوطنية من الشعب السعودي. والثالثة، هي أن عددا كبيرا من القرارات والتصريحات للمسؤولين في وزارة العمل فشلت في حل أي من القضيتين.
ولا شك أن الحكومة السعودية، والشعب السعودي كرماء في الداخل والخارج، والجميع يرحب بمن يقيمون معنا عربا وأجانب، مسلمين وغير مسلمين، واحترامهم واجب ويجب أن يتمتعوا بالحقوق التي يتمتع بها المواطن، ولكن ذلك الترحيب مشروط باحترام آداب وأعراف الضيافة والامتناع عن الإساءة له بأي وجه من الوجوه. وكل ما نطلبه منهم الانضباط المهني والأخلاقي. علماً بأن نعلم علم اليقين بأن عشم السعودي في أن يشغل وظيفة في بعض البلدان التي قدم منها بعض الوافدين مثل عشم إبليس في الجنة.
تحويلات العمالة، حسب الإحصاءات الرسمية تصدم أي مراقب، والرسمي منها فقط يتجاوز المئة مليار ريال سنوياً، أي ربع ما يصرف من الميزانية الرسمية تقريباً. رغم أن الرقم يتجاوز ذلك بكثير فهناك شركات صرافة سرية في جميع مدن المملكة مهمتها تحويل أموال العمالة للخارج بشكل سري وبطرق ملتوية. وهذا بلا شك استنزاف غير مقبول لخيرات البلاد. وبهذه المناسبة، هناك أسئلة أساسية تطرح نفسها علينا: هل نحتاج لثمانية ملايين عامل في المملكة؟ ما حجم الأعمال والصناعات لدينا التي تتطلب هذا العدد من الأجانب؟ هل لهؤلاء علاقة بتفشي البطالة بين شبابنا؟
وقد ذكرت صحيفة إلكترونية نقلا عن جهات رسمية في محافظة عنيزة في دعوى ضد مقيم يعمل فني أشعة بأحد المستشفيات (من جنسية عربية) بينما المهنة التي استقدم من أجلها هي شواء، شواء يعمل خبير أشعة؟! وعندما أراد كاتب المقال كتابة شيك لمحل بيع أدوات البناء مسجل باسم شخص سعودي، طلب الوافد الآسيوي كتابة الشيك باسمه هو، لا باسم صاحب المؤسسة، وحسب إقامته اتضح أنه «عامل» تحت كفالة إحدى الجمعيات الخيرية الخاصة! عامل ويمتلك فعلياًً محلا لبيع أدوات بناء سعودي اسمياً. أما عامل الحدادة الذي يسرح ويمرح في شوارع الرياض فهو عامل زراعي وكفيله في وادي الدواسر، والمقاول عامل بناء وكفيله في أقصى شمال المملكة! هذا غيض من فيض، فجميع أسواقنا ومتاجرنا وورشنا يتحكم فيها وافدون بهذا الأسلوب. فأية فوضى هذه؟! هذا في القطاع الخاص، أما القطاع العام فقد أحدثت الضرورات المحاسبية والرقابية، مع توسع الصرف مؤخراً، نوعا من الاستماتة من بعض ضعاف النفوس للحول دون السعوديين وبعض الوظائف وتعيين من هم أقل منهم تأهيلاً من الوافدين مكانهم، ليس لكفاءتهم بل لأنهم أجانب وأمور البلاد والوطنية لا تعنيهم فيقدمون على كل شيء، ويسكتون عن كل شيء، بل إن الحاقد منهم، يفرح لرؤية الفساد ينخر في جوانب الوطن.
ويمكن القول بصريح العبارة إن القطاع الحكومي، بعدد هذه الجامعات والبعثات، سواء في الداخل أو الخارج، لا يحتاج لأي وافد، مهما كانت مرتبته أو خبرته، فهناك من هم أكفأ منه بمراحل من السعوديين. فجميع الجهات الحكومية أتيحت لها الفرصة طيلة العقود الماضية لابتعاث من تحتاجهم لأفضل الجامعات العالمية، وقد صرفت الدولة على تأهيلهم ثروات طائلة، ولذلك يفترض بها أن تسيّر أمورها اليوم بكفاءات سعودية ممن ابتعثتهم فقط، ويجب أن يُفرض السعوديون فرضًا على بعض ضعاف النفوس ممن يمنعون هذه الوظائف عن السعوديين حتى ولو تطلب ذلك التدخل المباشر. فوطن لا نستطيع أن نحميه ونديره لا نستحقه. والأحدب كما يقال يعرف على أي جنب ينام.
إن عملية ضبط الوضع العمالي في المملكة قد تكون صعبة بعض الشيء ولكنها ليست مستحيلة. وهنا بعض الخطوات المقترحة لضبط بعض جوانب الفوضى الوظيفية لدينا. والخطوة الأولى نحو ذلك هي أن تضع وزارة العمل إحصاءات العمالة الوافدة والجهات التي تكفلها، بكل شفافية، على موقعها الإلكتروني، فقد يستحي البعض من عدد الأجانب ممن هم تحت كفالته في الوطن، فالستر هنا هو تستر بعينه. أما الخطوة الثانية فتبدأ بحملات تفتيش على جميع الشركات، والورش، و الأسواق، وقطاعات الهندسة والمقاولات، والمستشفيات وغيرها وأن تقوم بالتسفير المباشر وعلى حساب المستقدم لكل وافد يعمل خارج مهنته التي استقدم لأجلها، فعندما يستقدم أحدهم عامل نظافة فهو بحاجة لعامل نظافة، لا أن ينتهي الأمر بعامل النظافة هذا أن يتحول لتاجر، أو مستثمر، أو طبيب، أو خبير أشعة. و إذا ثبت تكرار مؤسسة ما لهذه التجاوزات فتشطب نهائياً من سجلات الأعمال، لأنها ببساطة تخون الوطن اقتصادياً، ولا يمكن الوثوق بها مستقبلاً. أما الخطوة الثالثة، فيتم تجريم كتابة الشيكات أو دفع المبالغ لغير صاحب المؤسسة المسجلة باسمه، ويجب ألا تقبل البنوك شيكات بمبالغ كبيرة لوافدين يعملون في مهن بسيطة لا تعكس قيم الشيكات قبل التحقق من مصدر هذه المبالغ. أما الخطوة الرابعة فتبدأ بتشكيل قوة تحرٍ سرية تكون مهمتها الأساسية ملاحقة المتسترين و مكاتب تحويل الأموال السرية للخارج بحيث تدفع لأفرادها مكافآت مجزية من أموال هذه المكاتب مثل المكافآت التي تدفع لمن يكتشفون تهريب المواد الممنوعة لداخله.
ولم يعد من المقبول، أو مما يمكن السكوت عليه، تهريب خيرات البلاد للخارج، أو أكل أرزاق الشباب السعودي بهذا الشكل بإحلال أجانب مكانهم، وتضييق سبل الرزق أمامهم. فالذين يمارسون هذه الممارسات الوضيعة هم في الغالب ممن لديهم أعمال ووظائف، بل إن بعضهم من ميسوري الحال الذين أخذوا نصيبهم وأكثر من خيرات هذه البلاد. ويجب فضحهم وعدم التستر عليهم. والمساءلة لا تحتاج لجمع، ولا طرح، ولا نطاقات ملونة ولا غيرها، تحتاج فقط لحملات أمنية مكثفة للتأكد من أن كل وافد يعمل فيما استقدم من أجله مما لا يوجد ولا يستطيع سعودي القيام به، وعند ذلك يمكننا منح أي عدد من الفيز لمن يحتاجها فعلاً ومنعها منعاً صارماً عمن يتاجر بها. فقد طفح الكيل والوضع يتفاقم يوماً بعد الآخر.
latifmohammed@hotmail.comTwitter @drmalabdullatif