من تحت قبة مجلس الشورى أصدر خادم الحرمين الشريفين قراراً تاريخيا يختص بالمرأة ودورها المستقبلي في التنمية والمشاركة الفاعلة في المجتمع،
ويأتي ذلك القرار في الخطاب الذي ألقاه الملك عبد الله- يوم الأحد 27 شوال 1432هـ (25 سبتمبر 2011م) - في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى، اشتمل خطابه يحفظه الله على مفاهيم وأسس غاية في الأهمية ومنها:
1 - « إن كفاح والد الجميع الملك عبدالعزيز مع أجدادنا - يرحمهم الله - أثمر في وحدة القلوب، والأرض، والمصير الواحد، واليوم يفرض علينا هذا القدر أن نصون هذا الميراث، وأن لا نقف عنده بل نزيد عليه تطويراً يتفق مع قيمنا الإسلامية والأخلاقية».
2 - « إن التحديث المتوازن والمتفق مع قيمنا الإسلامية التي تصاغ بها الحقوق مطلب هام في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين أو للمترددين».
3 - « إن للمرأة المسلمة في تاريخنا الإسلامي مواقف مشهودة منذ عهد النبوة فيما يخص المشورة والشواهد كثيرة على ذلك إلى يومنا هذا».
4 - « رفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي في كل مجالات العمل وفق الضوابط الشرعية».
وعلى هذه الأسس يؤكد الملك عبد الله أنه وبعد التشاور مع الكثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء ومن خارجها والذين استحسنوا هذا التوجه وأيدوه اتخذ قرارين تاريخيين مهمين وهما:
أولا: مشاركة المرأة في مجلس الشورى، عضواً اعتباراً من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية.
ثانيا: يحق للمرأة أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية اعتباراً من الدورة المقبلة ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف.
وأكد الملك عبد الله أن هذه القرارات وفي كل شيء تخطوه الدولة هدفه عزة الشعب وكرامته ومصلحته ويوجه الملك حديثه لأعضاء مجلس الشورى ولأبناء الوطن بأن حق الدولة على أبناء الوطن الرأي والمشورة وفق ضوابط الشرع وثوابت الدين ومن يخرج على تلك الضوابط فهو مكابر وعليه أن يتحمل مسئولية تلك التصرفات.
حقاً إنه قرار تاريخي في يوم تاريخي وسيبقى راسخاً في تاريخ الوطن، والمملكة منذ تأسيسها وهي تأخذ بسياسة التدرج في عملية التطوير والبناء وتأهيل الكوادر البشرية في مختلف مناحي الحياة، وقد وجهت الدولة اهتمامها بالمرأة منذ مرحلة مبكرة وتوج ذلك بالموقف الحاسم والحازم للملك فيصل « يرحمه الله « في تعليم المرأة وتأهيلها وتفعيل الأمر الملكي الذي أصدره الملك سعود (رحمه الله) بتاريخ 21 ربيع الثاني عام 1379هـ القاضي بإنشاء مدارس البنات بالمملكة.
وتطور تعليم المرأة في عهدي الملك خالد والملك فهد «يرحمهما الله»، وفتحت الدولة أمامها فرص متعددة ومتنوعة لخوض التجربة في الوظائف القيادية في مؤسسات الدولة وفي الهيئات والمنظمات الإقليمية والقارية والدولية ومؤسسات القطاع الخاص، وأثبتت التجربة أن المرأة السعودية لديها القدرة والشجاعة للإسهام في التنمية وخدمة الوطن. والملك عبد الله بحسن بصيرته ومنذ توليه يحفظه الله مقاليد الحكم وهو يولي عناية خاصة بمجلس الشورى وتطويره كما أن نظرته الثاقبة في إعطاء المرأة دورها في تحمل المسئولية وخدمة الوطن لم يأت من فراغ فكثيراً ما ردد أن المرأة هي الأم والأخت. كيف لا وقد نجحت الدولة ووفق خطط مدروسة في تعليم المرأة، ونجحت المرأة بطريقة مذهلة في ممارسة دورها في التربية والتعليم وبمنهجية عالية، ونجحت المرأة في التعليم الجامعي العالي، ونجحت المرأة السعودية في تخطي الحواجز عندما سلكت طريق العلم خارج حدود الوطن ولم ينقص ذلك من سمتها وحيائها وعاداتها وتقاليدها وتربيتها. ولدينا أمثلة جميلة من تقدم المرأة السعودية في التحصيل المعرفي والبحث العلمي ونجاحها المرموق في مجالات الطب ومختلف العلوم وفي الإدارة وفي تمثيل المملكة في مواقع كثيرة.
ولهذا وفي ضوء هذا القرار التاريخي الذي بشًر به خادم الحرمين الشريفين فلن يكون هناك بعد اليوم مجالاً للتأويل في قضية المرأة وإسهامها في خدمة دينها ووطنها. والقرار الذي أصدره خادم الحرمين بمشاركة المرأة في مجلس الشورى وحقها في الانتخابات البلدية يعد بلا شك منعطفاً تاريخياً على طريق الإصلاح الذي يقوده خادم الحرمين وفق أسس واضحة تقوم على ضوابط الشرع وثوابت الدين.
وهذان القراران التاريخيان الخاصان بالمرأة السعودية العربية المسلمة نأمل أن يتلوه إصلاحات أخرى تعطي للمرأة دوراً أكثر فاعلية، يعود بالنفع على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وأن تزداد المرأة ثقة بنفسها وتتحمل المسئولية بقوة عزيمة وشجاعة وفي الوقت نفسه نتوقع من المجتمع السعودي الحريص على رسالة المرأة ومكانتها أن يكون أشد حرصاً على دورها المنشود.
يقول الملك عبد الله يحفظه الله: «إن قيادة هذا الوطن لن تسمح لكائن من كان أن يقلل من شأن المرأة أو يهمش دورها الفاعل في خدمة دينها وبلادها ولن نسمح أن يقال إننا في المملكة العربية السعودية نقلل من شأن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا ولن نقبل أن يلغي عطاء نحن أحوج الناس إليه».
مبروك للمرأة السعودية بالقرار التاريخي من قائد مسيرة الإصلاح خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وحفظ بلادنا من كل سوء.
وبالله التوفيق،،،
alrashid.saad@yahoo