حوار صريح دار بيني وبين أصدقاء الفيس بووك حول آخر مستجدات ساحتنا المجتمعية: سألتهم «ردود الفعل حول قراري الملك المتعلقين بعضوية المرأة في مجلس الشورى ومشاركتها في الانتخاب والترشيح للمجالس البلدية جاءت متباينة ومتفاوتة بين الفرح والتصفيق والرفض: ماذا كان موقفك الشخصي؟ ثم لتوضيح الموقف: أي قرارات غيرها تراها أو ترينها شخصيا أكثر أهمية لتحسين أوضاع المرأة وأحوال الوطن؟
وطبعا جاءت إجابات النساء شاكرة ومقدرة ومذكرة بحق قيادة السيارة وتسلط ولي الأمر وتحيز الأحكام وتعوق التنفيذ. وجاءت بعض إجابات الرجال رافضة أو تبحث تفاصيل تنفيذ القرارين والنتائج والضوابط المفضلة.
عدا ذلك المتوقع، الإجابات أكدت لي ما كنت أحدسه به من قبل: أن المرحبين بالقرارين يرغبون برؤية التطور في جميع نواحي الحياة وليس فقط في أوضاع المرأة. وأن المهمشين لأهمية القرارين «يتكهنون» بأن لن ينجح التغيير الواعد! وربما هم يتمنون ذلك حيث نجاح القرار ينهي لعبة «النقد والشكوى والنظرة الفوقية» وهي اللعبة التي لا يجيدون سواها؛ فهم لا يشاركون بتقديم حلول للمشاكل, أو بدائل واقعية لما ينتقدوه من واقع. أما الرافضون للقرارين فهم يرفضون أي تطور في وضع المرأة يعدل موقعها في معادلة المجتمع. سواء صنفوها حرمة عاجزة أو درة مصونة هم يفضلون أن تظل في موقع المفعول به المكبل لا موقع الفاعل المشارك في البناء ؛حيث موقع الفاعل قد يحمل معه اختيار الاستغناء عن المستغل لها والخروج عليه.
بين عشرات الإجابات كان جواب مميز من شاب استوقفني بتكامله: «القرار ممتاز جدا لكنه جاء مبتورا ووحيدا في وقت كان الكثير من المواطنين يتطلعون فيه إلى أن يترافق مع إصلاحات أوسع وأعمق، فنحن نعيش ربيعا عربيا وتغييرا كاملا وشاملا في المنطقة، ولا زلنا لا نملك سلطة تشريعية منتخبة ولا حرية إعلامية ولا قضاء مستقل ولا حتى مجلس بلدي منتخب بالكامل مع صلاحيات كاملة ولا مؤسسات مجتمع مدني، والمرأة ينقصها الكثير من الأمور الأبسط من الوصول إلى مجلس الشورى لم تحصل عليها كقيادة السيارة ولازالت تقبع تحت وصاية ولي الأمر والمحرم في أبسط تعاملاتها وأمورها، أعتقد أن الكثير من المهتمين بالشأن العام كانوا في انتظار إعلان برنامج كامل للإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي ولو كان موزعا لعدة سنوات، المهم أن يحسوا أن هنالك نية للتحول إلى دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وحريته، وأن هنالك من يستمع إليهم، فالعرائض المطالبة بالإصلاح وقع عليها الآلاف من صفوة أبناء المجتمع وبحاجة لمن يقول لهم على الأقل رسالتكم وصلت،، وعذرا على الإطالة دكتورتنا الفاضلة».
ووضحت: ما تقوله صحيح ولكن أي قرار بهذه الشؤون الآن سيفسر على أنه إما بتأثير أجواء الثورات المجاورة أو بتأثير الضغوط الغربية. وهذا يعني موقف ضعف وليس موقف قوة وإيمان بما يتخذ من قرارات. أعرف أن موقع المرأة في معادلة المواطنة وحقوقها كان على رأس اهتمامات الملك منذ كان وليا للعهد, ولا علاقة لقراراته حولها بالأجواء المحيطة.
التوقيت في اتخاذ القرار مهم. سواء كان القرار المعني إيجابيا أو سلبيا. ولا أدل على ذلك من نجاح محاولة التنغيص على من أسعدتهم رسالة الملك الواضحة التوجه في خطبته التاريخية بمجلس الشورى من قبل البعض المغرضين والراغبين في إفشال الجهود الرامية للتطور ؛ ليس بمجرد الصدفة أن خطاب الملك جاءت بعده حالا أخبار الحكم بجلد شيماء جستينية عشر جلدات لأنها ساقت سيارة قبل أربعة أشهر ! وهو القرار الذي أوقف بقرار أعلى والحمد لله ! وتزامن مع الحكم بالجلد توقيف سيدتين في الرياض وجدة لنفس السبب وبمفعول رجعي! والنتيجة أن تسابقت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الأجنبية تعلن أخبار الجلد وتهم التخلف يكيلونها للمملكة رغم الأخبار المضيئة بالتطور.
هناك فعلا تخلف نعايشه ونعاني منه يوميا وعلى كل الأصعدة ولكنه ليس مباركا برغبة الجميع ورضاهم كما يحاول من يمارسونه تأطيره كتوجه للمجتمع أو الوطن أو القيادة. التخلف توجه من قلة ذات مصالح فردية وفئوية خاصة استعذبت موقع التحكم في حياة الآخرين عبر فرض خصوصية وهمية والتشبث بمظلة شرعنة الأعراف وتحريم تغييرها. ثم في النهاية الزمن هو الاختبار الناجع.. ولا يصح معه إلا القرار الصحيح!