تنمية المجتمعات وتطويرها لا تقتصر على التنمية المادية بإطلاق الأبراج والبنايات الشاهقة، وشق الطرق وبناء المصانع، فإن لم يصاحب ذلك تنمية ثقافية وروحية تكون المجتمعات قد أوقعت نفسها في قوالب ضيقة، كقوالب الأسمنت التي تعتمدها المباني الطوال.
ولهذا فإننا نلحظ بوضوح توجه جاد من الدولة السعودية بإطلاق مسارات التنمية الثقافية بين مختلف شرائح المجتمع وفق منهج نابع من اهتمام قائد مسيرة التنمية الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يكرر دائماً ويحرص على تأكيد الهوية الثقافية العربية الإسلامية وجعلها ركناً أساسياً في تكوين وتأسيس الانتماء الفكري الحضاري للإنسان السعودي وتعميق وعيه الثقافي والإنساني بالمحافظة على انتمائه الإسلامي وهويته العربية وولائه الوطني، خاصة في هذا العصر الذي اجتاحته تيارات التشدد والتطرف والتكفير والعولمة ومحاولات نشر ثقافات أمم أخرى معتمدة على تفوقها التقني ونفوذها السياسي وحتى قواها العسكرية، تماشياً مع القوة الغالبة تفرض ثقافتها وسلوكها على الدول والمجتمعات المغلوبة.
وفق هذا المفهوم وتماشياً مع حرص قادة المملكة وقناعات المجتمع السعودي بالحفاظ على الهوية العربية الإسلامية، يعقد الملتقى الثاني للمثقفين السعوديين، الذي سيعقد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في يوم الثلاثاء 27 ذي القعدة الموافق 25 أكتوبر في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض.
الملتقى يعد الثاني الذي سبق أن عقد قبل ذلك، والهدف هو صياغة شخصية ثقافية سعودية ترسخ الهوية الثقافية للمجتمع في سياق التفاعل مع كافة الثقافات العالمية والمورث الإنساني للحضارة والثقافة الأممية مع الحفاظ على الثوابت الوطنية والدينية.
لأجل هذا الغرض يكشف الأستاذ محمد رضا نصر الله أمين عام الملتقى وأمين عام الهيئة الاستشارية للثقافة، أنه وجهت الدعوة لألف مثقف ومبدع ومثقفة ومبدعة من السعوديين.
طبعاً لم نطلع على قائمة المدعويين ولكن اعتماداً على ما جرى عليه في الملتقى الأول، نرجو أن لا يقتصر الاعتماد على الأسماء التقليدية، والدوران ضمن دائرتي تيارين معروفين يتصارعان على الساحة الثقافية دون أن يقدما شيئا سوى محاولة إقصاء كل منهم أنصار التيار الآخر.
وهنا يبرز سؤال كبير، من هو المثقف السعودي؟ هل هو الأكاديمي المتخصص؟ أم ذلك الكاتب الذي يطل على المجتمع يومياً أو أسبوعياً، أو حتى شهرياً، عارضاً أفكاراً قابلة للنقاش والتنفيذ لتطوير المجتمع وتنميته فكرياً وثقافياً؟
أم هو من أسهم في تأليف الكتب ومصادر المعرفة؟ أم ذلك المتلقي الذي يستوعب كل ما قدمته الأوعية الثقافية من مقالات وكتب ودراسات ويعمل بها ويتثقف ويثقّف الآخرين.
سؤال يبحث عن إجابة، وأطمح أن أجدها عند المثقف السعودي محمد رضا نصر الله الذي سبر كل دروب الثقافة دارساً وناقداً وكاتباً ومحاوراً.. عسى أن نجد لديه معادلة اختيار المثقفين السعوديين.
jaser@al-jazirah.com.sa