استضافت إحدى القنوات الأمريكية «خبيرا عربيا»، وعندما يقول الإعلام «المتصهين» عن مثل هذا الضيف: إنه «خبير»، فاعلم أنه لا ينطق عن هواهم في شاردة ولا واردة، علينا أن نتذكر أن هذا الإعلام ذاته لا يستضيف - منذ زمن طويل- «نعوم تشومسكي»، مع أنه أعظم مفكر على قيد الحياة وأمريكي ويهودي أيضاً!. أما لماذا؟، فذلك لأنه «مفكر ليبرالي حقيقي»، يقول الحق ولو على نفسه، خصوصاً في قضايا الشرق الأوسط الشائكة. أذكر أنني حضرت له محاضرة في جامعة ولاية متشجن، وسأله أحد الحضور عن سر إحجامه عن الظهور الإعلامي، فقال: «إنهم لا ينشرون لي حرفاً»، ثم أضاف:» لقد أرسلت تعقيبا إلى رئيس تحرير النيويورك تايمز أفند فيه بعض المغالطات، ولم ينشره، وبعدما شعر بأنني غاضب بما فيه الكفاية نشر التعقيب مبتوراً، وفي صفحة هامشية!. نعم هذا الإعلام يستضيف الخبير العربي ويترك تشومسكي، لأن الأول «مسير»، والثاني «حر» يقول ما يمليه عليه ضميره.
الخبير العربي قال: «إننا نخشى أن يختطف الإسلاميون الثورة الليبية»، ثم أضاف: «إن معظم الثوار (ملتحون)، ما يعني أنهم قد يكونون من القاعدة!، وقد كاد أن يقول: إن عبدالحكيم بلحاج «اإرهابي». نعم، قد يكون هناك «إسلاميون متشددون» يؤمنون بمبادئ «تنظيم القاعدة» ضمن الثوار، ولكن الأمر لا يعالج بمثل هذه السطحية والسذاجة، أتفهم أن يقول هذا الخبير مثل هذا عن شرفاء ليبيا الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل التخلص من طاغية العصر، خصوصا وأنه يعيش على مثل هذا الارتزاق الرخيص. هذا، ولكنني لا أفهم كيف يردد الإعلام العربي ومعه الإسلامي مثل هذه الادعاءات.
نعم كان عبدالحكيم بلحاج من المجاهدين العرب، ولكنه ما فتئ يقول: إنه يؤيد قيام حكومة مدنية تقوم على الحرية والعدل والمساواة للجميع، ومع ذلك ما زال إعلامنا العربي يشوه صورته وصورة ثوار ليبيا، مرددا ما يقوله الإعلام الغربي عنهم!. إننا نتساءل: «منذ متى صارت معايير الإعلام الغربي دقيقة؟، أوليس هو الذي يقول عن الحركات التحررية في كل مكان بأنها «إرهابية»، ثم هل نسيتم أنه قال عن مجزرة الدانمارك بأنها عمل إرهابي قام به إسلاميون، ثم لما تبين أن منفذها غربي مسيحي، صارت بقدرة قادر «عملا إجراميا» قام به «متطرف مسيحي»!
هل يعلم هذا الخبير العربي أن الغربيين يحتقرون أمثاله من معدومي الكرامة الذين يتهربون من أصولهم العرقية وعقائدهم الدينية، فهو في نظرهم مثل سيئي الذكر سلمان رشدي وفؤاد عجمي ومن لف لفهم، إذ هم منبوذون من بني جلدتهم، ومحتقرون من الغربيين، فالإنسان الغربي - مهما قال وفعل- يحترم الإنسان الذي يتمسك بمبادئه مهما اختلف معه، ويحتقر من هو دون ذلك.
وختاما، لا أحبذ التصنيفات، ولكني أتساءل: «لماذا كل هذا الخوف من مشاركة الإسلاميين في الحكم، خصوصا وأنهم يؤكدون على تأييدهم لقيام «الدولة المدنية»، التي ستكون قادرة على احتواء الجميع في ظل دستور وطني ينص على «تداول السلطة»، وحفظ الحقوق لجميع المواطنين بلا استثناء؟. وأخيرا، ألا تعتقدون أن «الإسلاميين» سيكونون في أسوأ الأحوال أفضل ألف مرة من زعيم مجنون مثل العقيد؟
فاصلة
«من اغبرت قدماه في ميدان القتال أولى بالمشاركة السياسية من معارضي الفنادق والكراسي الوثيرة».
amfarraj@hotmail.comAhmad.alfarraj@gmail.com