المرأة منذ القديم وهي موضع الشك واللوم والتضحية والاستخفاف. وكيف لا، والحياة تحتاج إلى قوة جسمانية. قوة في استجلاب الرزق وقوة في الدفاع عن النفس وقوة في إثبات الرأي. هذه القوة الجسمانية غلب الرجلُ المرأة فيها فظلمها..
والظلم من شيم النفوس
وإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
الموروث الإنساني في ظلم المرأة لحق المسلمين كما لحق غيرهم، فكلما ابتعد الناس عن عصر النبوة انحرفوا عن منهج النبوة إلى موروث الإنسانية. ومن نظر إلى كتب الفقه والحديث في القرون الوسطى للفقه الإسلامي أدرك ذلك. والشواهد في ذلك أعظم من أن يجمعها كتاب، فضلا عن مقال. ولكن مما يستشهد فيه بالجملة، ابن حجر العسقلاني، شيخ شيوخ الحديث، في كلام له ما معناه في فتح الباري (ألا ترى أن المرأة الحائض إذا لمست الزرع أفسدته وإن لم تكن حائضا لم تفسده). وكأنه رحمه الله يستشهد بحقيقة لا نزاع فيها، وما الحقيقة والله إلا أن النظرة الدونية للمرأة قد تأصلت في ثقافتنا منذ عصر الجاهلية رغم ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من إكرامه لعقلها واحترامه لشخصيتها. وكذا كتب الفقه الحنبلي (كالروض المربع) في تفقهها في أحكام الحيض تظهر بوضوح نظرة ثقافتنا إلى المرأة التي نتج عنها وضع أغلال وإصرار عليها ما أنزل الله بها من سلطان. كما تظهر مقدار الاستهانة بها وما يجر عليها من مشاق والآلام كقولهم «تصوم وتقضي احتياطا».
وفي زماننا هذا لم تعد القوة الجسمانية مطلباً لجلب الرزق والدفاع عن الأوطان، فبدأت المرأة تأخذ مكانها الطبيعي المساوي للرجل في الحقوق والالتزامات، في غالب أصقاع المعمورة إلا أنها أبطأت عندنا، لكي تسبق نساؤنا نسائهم، فقد كُفينا كلفة التجربة فنُجنب نساءنا ومجتمعنا من الأخطاء التي وقع فيها من قبلنا.
اختلاف الرأي أمر حتمي وهو محمود إذا كانت حجج المتخالفين تنطلق من منطلق شرعي أو عقلي صحيح. ولكن هناك من يتتبع الأحكام التعبدية التي قصرت عقولنا عن فهمها ثم يُجيرها ضد أهلية المرأة، كحقها في الميراث مثلا. فهذا كمن يستدل بجواز الرق على إهانة الرقيق. وهناك من لا يحسن استشعار عظمة الخالق -الذي أحسن كل شيء خلقه وكرم بني أدم عن غيرهم- فيؤله على نظرتيه الدونية الموروثة من جاهلية فلاسفة اليونان، فيحتج بحسن خلق الله على التنقص من المرأة. ومن العجيب أن هناك من يجعل عظمة المرأة في حملها ورعايتها لأطفالها منقصة لها. بل إن هناك من يذهب إلى أبعد من هذا.
والمسكوت عنه أنه من علم خفايا الموروث عندنا أدرك أن ربيع المرأة السعودية، وإن جاء بعد الآخرين إلا أنه لم يتأخر في الحقيقة، بل أنه قد عجل به قبل حلول موسمه في ديارنا الملك المجدد عبد الله بن عبد العزيز الذي أتعبت طموحاته من حوله فصدق القول فيه:
« ضاقَ الزّمانُ وَوَجهُ الأرْض عن ملِكٍ... مِلءِ الزّمانِ ومِلءِ السّهْلِ وَالجبَلِ».
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem