يعيش العالم في الوقت الحاضر حدثين كبيرين لهما أبعادهما المستقبلية على العالم بأسره.
الحدث الأول: الأزمة الاقتصادية الخانقة في أمريكا وأوروبا وغيرها من الدول، وتراكم الديون على كثير منها، والحدث الثاني: الثورات العربية وآثارها على الاستقرار والنمو في المنطقة والعالم.
ويبدو أن الحدثين عسيرا الحل من جهة ويسيراه من جهة أخرى، والاختيار يكمن في البعد عن قصر النظر، والتغلب على حب الذات، وإدراك أن ظهورهما كان نتاج تراكم أخطاء، واستمرار إهمال قال الشاعر:
إذا ما الجرح زمّ على فسادِ
تبيّن فيه إهمالُ الطبيب
نعم لقد زمّ جرح الديون على سوء تدبير لسنوات متعاقبة حتى آن الأوان ليعد ألمه غير محتمل، كما زمّ جرح الممارسات المالية والإدارية على جروح تراكمت عبر السنين، حتى زاد السيل وتجاوز الزبى، فوقعت الواقعة.
والآن، بعد أن اتضحت الرؤى، فهل للإنسان القدرة النفسية على التضحية بما ينعم به، أو يطمح إليه، ليصل إلى طموحه فيما بعد، إن مثل ذلك الأمر يحتاج إلى تكثيف إعلامي واجتماعي وفوق ذلك إيماني، وقيم وأخلاق.
ويبدو أن مآل تلك الديون المتراكمة، مآل تلك القصة التي يقول منشئوها:
سأل الأول الثاني أن يقرضه عشرة قروش فقدمها له بسرور، وفي اليوم التالي جاء إليه وقال له: أنت تطالبني بعشرة قروش، أليس كذلك؟ قال الثاني: نعم، إذن ما رأيك لو أعطيتني عشرة أخرى فيصبح المجموع عشرون قرشاًَ! ووافق الثاني وأعطاه المبلغ الذي طلبه وفي اليوم الثالث جاءه وقال: أنت تطالبني بعشرين قرشاً، أليس كذلك؟ فأجابه: نعم، إذن ما رأيك لو أقرضتني 30 قرشاً فيصبح المجموع خمسين قرشاً أردها لك غداً! ووافق الثاني وقدم له ثلاثين قرشاً، وبعدها بيوم تقابلا ثانية، فقال الأول: أنت تطالبي بخمسين قرشاً أليس كذلك! فأجابه: نعم، إذن ما رأيك لو أعطيتني 50 قرشاً فيصبح المجموع مائة قرش أردها لك غداً! ودفع له الصديق الطيب 50 قرشاً، وبعد يوم تقابلا أيضاً فقال الأول: أنت تطالبني بمائة قرش أليس كذلك؟ أجاب الثاني على الفور لا.. لا.. لا.. لا أطالبك بشيء.
وفي قصة أخرى حكي أن الحجاج خرج يوما متنزها، فلما فرغ من نزهته انصرف عنه أصحابه، وانفرد بنفسه، فإذا هو بشيخ من بني عجل فقال له من أين أيها الشيخ؟ قال: من هذه القرية، قال: كيف ترون عُمالكم؟ قال: شر عمال يظلمون الناس، ويستحلون أموالهم، قال: فكيف قولك في الحجاج قال الشيخ: ذاك ما وليَ العراق شرٌّ منه، قبحه الله وقبح من استعمله، فقال الحجاج: أتعرف من أنا؟ قال: الشيخ لا، قال أنا الحجاج، قال الشيخ: جعلت فداك، أوَ تعرف من أنا؟ قال الحجاج: لا فقال الشيخ: أنا فلان بن فلان مجنون بني عجل أصرع في كل يوم مرتين، فضحك الحجاج من حسن تخلّصه وأمر له بصلة.
ما أشبه اليوم بالبارحة.