|
في منتصف القرن الهجري الماضي كان الملك عبد العزيز - رحمه الله - ورجاله وأبناؤه النجباء يشعرون بغير قليل من الزهو والفخر، لاكتمال الوحدة الوطنية وانضمام الأقاليم واحداً تلو الآخر إلى حكم الملك عبد العزيز، مما جعل أي وصف للملك يقصر دون ما تحقق، فلم يَعُد سلطان نجد وحدها، ولا سلطان نجد وملحقاتها فقط، ولا سلطان نجد والحجاز وملحقاتهما فحسب، بل هو حاكم لمناطق كبيرة في كلِّ الاتجاهات شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، إضافة إلى الوسط، وكان لا بد من البحث عن اسم يطابق المسمّى بحق وبدقة، وانبثق العصف الذهني للملك عبد العزيز ورجاله النابهين إلى اختيار اسم جديد ما لبث أن تناقلته وسائل الإعلام، وطارت به الصحف، وردّدته البرقيات، وكرّرته التهاني والتبريكات من رؤساء الدول في العالم أجمع. إنه الاسم الذي ننقشه الآن في قلوبنا، وتردّده ألسنتنا، وتعشقه أفئدتنا «المملكة العربية السعودية».
كان هذا الحدث الكبير، وهذا التحوُّل المهم في عام 1351هـ، أي قبل واحد وثمانين عاماً بالتمام والكمال، وقبل هذا التاريخ كان الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وعلى مدى اثنين وثلاثين عاماً تبدأ بعام 1319هـ، يُحقق منجزات ناجحة وبسرعة مذهلة أشبهت المعجزات، فمن كان يتوقع أنّ فاتح الرياض فقط عام 1319هـ، سيضم إليها في ثلاثين عاماً قارة أو أشبه بالقارة بإمكانيات يسيرة جداً وبعدد قليل من الرجال؟. هي بحق معجزة حقّقها البطل الملهم عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، وكان الله معه في كل خطوة يخطوها؛ لأنه كان قريباً منه، متوكلاً عليه، رافعاً اسمه منقوشاً على رايته.
وهذا التلازم بين البُعد السياسي لدى الملك عبد العزيز والرؤية الدينية الصادقة التي ينتهجها هي التي صنعت هذه الوحدة العظيمة لوطن ممزّق وشعب متناحر، ثم أفاء الله على هذا الوطن بوحدته النموذجية وبرجاله الأوفياء المؤمنين وقيادته العادلة الراشدة صنوفاً من النعم، وضروباً من الهبات والعطايا، فأخرجت الأرض كنوزها المخبوءة، ورفرفت راية الأمن والسلام، وعاش الناس في بحبوحة من العيش ورغد في المعيشة، وتسابقوا في أخذ نصيبهم من الدنيا، وقامت نهضة غير مسبوقة، وتحوّلت القرى إلى مدن، وتحوّلت المدن الصغرى إلى كبرى، والكبرى إلى أشبه ما يكون بالعواصم، وتحقق فينا بإذن الله قوله تعالى: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}.
وإذا كانت الدولة السعودية (الأولى والثانية والثالثة) قامت جميعها على نصرة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية التي تتبنّى الاهتمام بصفاء العقيدة والبُعد عن الخرافات والبدع والضلالات، فإنّ من المهم المحافظة الشديدة على هذا التلازم بين الدولة والدين، والرد على جميع الأصوات المضلّلة التي قد ترد في قناة فضائية أو فضاء إلكتروني؛ لأنّ هذه الدعوة المباركة تتضمّن تجديد الدين، ولم تأت بمذهب جديد أو أفكار متشدّدة كما يصوّرها أعداؤها وأصحاب الأهواء.
والاهتمام بالجوانب الدينية وغرسها باعتدال في نفوس الشباب والناشئة، وإبعادهم عن الأفكار الضالة التي تؤدي إلى التكفير والغلو مطلب مُلح يترتب عليه استمرار التنمية وتقوية أواصر الوحدة والتقارب بين المواطنين في كل منطقة، وعلينا أن نحمد الله صباحَ مساء على ما أفاء به علينا من هذه النعم المتواترة والأمن الوارف {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}، وأن نرفع أكفّ الضراعة بأن يتغمّد مؤسِّس هذا الكيان وبانيه الملك عبد العزيز بالرحمة والمغفرة، وأن يجزل المثوبة لأبنائه البررة الملوك: سعود وفيصل وخالد وفهد الذين واصلوا هذه المسيرة الخيّرة وأدّوا الأمانة التي حملوها ونصحوا لشعوبهم ومنحوهم من جهدهم وأفكارهم، ما يشهد به كل من عاصر المراحل التي عاشوها.
وبعد، فيطيب لي بمناسبة اليوم الوطني المجيد أن أرفع التهاني الصادقة إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وإلى ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وإلى النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز حفظهم الله جميعاً وأبقاهم ذخراً للوطن والمواطنين، وكل عام والجميع بخير وعافية يرفل تحت راية التوحيد الخالدة.
* أستاذ الأدب المشارك بكلية اللغة العربية بالرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية