|
مَنْ يتأمل تاريخ بلادنا الغالية منذ فَجْر تأسيسها باستعادة الرياض على يد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - في اليوم الخامس من شهر شوال عام 1319هـ، حتى اليوم، ويتأمل ما كانت عليه ليلة ملحمة الرياض الخالدة، وما صارت إليه الآن.. من يتأمل ذلك لا بد أن تعقد الدهشة لسانه ويقف إجلالاً واحتراماً لقادتها الكرام من آل سعود بدءاً من عهد المؤسس ثم عهد أبنائه من بعد: سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله جميعاً -، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - الذي ننعم فيه اليوم بخير كثير ولله الحمد والثناء الحسن. وصحيح أن محاولة حصر تلك الإنجازات الهائلة التي تحققت للوطن وأهله خلال مائة وثلاثة عشر عاماً منذ تأسيسه تُعَدّ ضرباً من الخيال، إن لم تكن نوعاً من المستحيل، لكنني سوف أحاول في هذه العجالة تسليط الضوء على لمحة سريعة، مذكراً بفضل الله علينا، ومشيداً بالمؤسس ورجاله وأبنائه الذين تولوا القيادة من بعده، وحاثاً الجميع على التمسك بمبادئ الخدمة العامة وحب العمل التي أرساها المؤسس، وأسس لها من خلال كل ممارساته لإدارة البلاد وتنميتها وتطويرها وترسيخ أركانها. فلأبدأ بالحرمَيْن الشريفَيْن في مكة المكرمة والمدينة المنورة اللذين يمثلان رمز عزة هذه البلاد التي أرادها الله أن تكون خادمة للمسلمين يوم شرفها فجعل أول بيت وُضِع للناس فيها، وبعث منها آخر رسله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً للناس كافة. فقد كانت سعتها الاستيعابية يوم دخل الملك عبدالعزيز الحجاز لا تتجاوز بضعة عشر آلاف من المصلين. أما اليوم، فبحمد الله سبحانه وتعالى، ثم بجهد قادة هذه البلاد الطاهرة وحرصهم، ارتفع العدد إلى ملايين، ولاسيما بعد أن تكتمل التوسعة الأخيرة التي أسس لها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله في شهر رمضان الأخير.. هذا غير ما تحقق في سائر المشاعر المقدسة، وتطور أسلوب خدمة ضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين. وعلى الصعيد الاقتصادي والمالي فقد كانت كل بنوك الدولة الوطنية وأموالها أشبه بحقيبة بصحبة الشيخ عبدالله السليمان الحمدان، وزير مالية الملك عبدالعزيز، يتنقل بها مع المؤسس حيثما رحل لتسيير شؤون الناس. ويمكن أن يقال الشيء نفسه عن وزارة المواصلات. أما اليوم فسوف تصبح بلادنا عما قريب جداً إن شاء الله، بعد اكتمال مركز الملك عبدالله المالي وتشغيله،أكبر مركز مالي في الشرق الأوسط قاطبة، بعد أن صارت اليوم ضمن أقوى عشرين اقتصاداً في العالم، ومهوى أفئدة المستثمرين في الشرق والغرب؛ لما تزخر به من فرص استثمارية هائلة. وفي مجال التعليم كانت المؤسسات التعليمية في بداية أيام المؤسس مجرد كتاتيب بسيطة ملحقة بالمساجد، يتعلم فيها الطالب كل شيء. أما اليوم فلدينا (32) جامعة بمواصفات عالمية، وقد حقق الكثير منها تصنيفات عالمية مهمة، إضافة إلى جامعة إلكترونية فريدة في نوعها لتوفير خدمة التعليم عن بُعد. وفي أول يوم من هذا العام الدراسي انتظم خمسة ملايين طالب وطالبة في جميع مراحل التعليم العام في أول يوم لـ(عام المعلم)، إضافة إلى مليون طالب في التعليم العالي، غير المبتعثين في مختلف جامعات العالم الذين تجاوز عددهم المائة ألف طالب وطالبة، ينهلون من معين العلم وهم ينعمون بتجهيزات وإمكانات هائلة سخرتها لهم الدولة - رعاها الله - لراحتهم ومساعدتهم في تحقيق رسالتهم. وفي مجال الصحة كانت الأمراض الفتاكة تحصد مئات الآلاف بسبب قلة الكادر المؤهل وضعف التجهيزات، أو قُلْ عدمها إن شئت؛ فقد كانت بلادنا من أفقر دول المنطقة يوم أسسها الملك عبدالعزيز، لدرجة أن القوى العظمى التي كانت تركض خلف الثروات لم تهتم بها، لكن مؤسسها ظل ثابتاً يبنيها بجهده وعرقه وكفاح المخلصين من أبناء وطنه، وكله ثقة في عون الله ونصره، وقد كان له ما أراد.. فبعد أن كنا نشد الرحال شرقاً وغرباً بحثاً عن وصفة دواء صرنا اليوم بفضل الله تعالى قبلة يقصدها طالبو الخدمة الصحية من جميع أنحاء العالم. ويمكن أن يُقال الشيء ذاته في كل مجالات الخدمة العامة والبنى التحتية التي تهدف إلى خدمة المواطن وتسيير حياته. لكن ثمة إنجازات غاية في الأهمية على الصعيد السياسي، يجب ألا تغيب عن الذهن في خضم هذه الزحمة؛ فقد تسنمت بلادنا مكانة عالية بين دول العالم على الصعيد السياسي، وصارت قوة اقتصادية وسياسية لا يمكن تجاوزها في التوازنات الدولية؛ لما لها من تأثير حقيقي على مسرح الأحداث، بسبب مصداقية قادتها وحرصهم على إرساء الأمن وتحقيق السلام في العالم ومساعدة بني الإنسان حيثما كان دونما تفرقة بسبب عرق أو جنس أو عقيدة.. فاللهم لك الحمد على ما تفضلت به علينا.
(*) عميد كلية العلوم والآداب بشقراء والمشرف العام على مكتب مدير جامعة شقراء