الإنسان بطبيعته يحب أن يرى ثمرة أعماله وكفاحه وجهوده، سواء كانت هذه الثمرة مادية أو معنوية؟ والعدالة تقتضي الجزاء؛ لأنه يفرق بين الذي يبني والذي يهدم، وبين المصلح والمفسد.. قال تعالى {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} (المائدة الآية 100). والجزاء عامل مهم؛ لأنه من وسائل الدفع بالقيم الأخلاقية والتمسك بها. هذه القيم تندرج تحت مبدأ الإحسان للمحسن، وكما أكد سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال «من أهدى لكم معروفاً فكافئوه». وما دمنا نؤمن جميعاً بأنه لا جزاء للإحسان إلا بالإحسان فإنه يتحتم علينا نحن المجتمع المسلم المحافظ ذا التاريخ والأمجاد والتراث التعامل مع هذه الفضيلة بكل صدق وأمانة، وألا نتعامل مع من أحسن إلينا بالإساءة. إنه من المؤسف حقاً أن البعض قد ترك هذه القيم وراء ظهره، وبدأ يعامل الناس من منظور التنكر والجحود وعدم الاعتراف لأصحاب الفضل معللين ذلك بأن المبادئ والقيم سادت ثم بادت، وهؤلاء لم يدركوا أن التمسك بالقيم الأخلاقية عمل مقدس. انظروا إلى قاعات المحاكم وقد امتلأت بمن يطالبون بحقوقهم، وها هي أقسام الشرط مكتظة بالمراجعين، فمنهم من يشكو رجلاً تسلف منه، وبعد أن فرّج كربته تنكّر له ولم يسدده، وهم كُثُر، ورجل آخر يشتكي من استأجر عقاره، وبعد أن حطم معالم هذا العقار لم يسدد ما بذمته من إيجار، وها هو آخر يأتي ليوضع بالسجن لأنه قام بكفالة أحد أقاربه أو معارفه ولم يسدد!!
إنه حقاً أمر محزن وتعدٍّ على حقوق الناس، ولو أن أقسام الحقوق في الشُّرَط تعاملوا مع هذه القضايا من مبدأ التأكد من الأوراق الثبوتية وإنهاء إجراءاتها دون الرفع للمحاكم لتم إعطاء كل ذي حق حقه؛ وبالتالي المساهمة في خدمة المواطن وإراحة القضاة؛ لأن لديهم أموراً أكبر وقضايا منظورة أهم؛ ما يؤدي إلى تأخير النظر في القضايا الصغيرة.