في مستهل شهر شوال لعام 1432هـ انطفأت شمعة من شموع بريدة وذلك بفقدها الشيخ الزاهد محمد بن عبيد آل عبدالمحسن آخر القافلة العلمية لآل عبيد - يرحمهم الله - والذين كان لهم دور ملموس في إثراء الحراك الثقافي في مدينة بريدة خلال القرن الرابع عشر فهو شقيق للشيخ عبدالرحمن العبيد (ت 1334هـ) والشيخ عبدالمحسن العبيد (ت 1364هـ) والزاهد فهد العبيد (ت 1422هـ) والشيخ المؤرخ إبراهيم العبيد (ت 1425هـ).
يقول الشيخ الفرضي المؤرخ إبراهيم العبيد:
وكل سيمضي ذاهباً خلف ذاهب
وكل إلى الأجداث لا شك راحل
لقد وجدت صدق هذا البيت الشارد تتلجلج في نفسي بعد أن نفضنا أيدينا عن تراب قبره وأخذت تتزاحم في ذهني الخاطرات وأنا استعرض سيرة الفقيد فكانت ولادة الشيخ محمد بن عبيد آل عبدالمحسن قبيل منتصف القرن الرابع عشر وتحديداً في عام 1348هـ الموافق 1929م أي بعد واقعة السبلة بسنة تقريباً، وكانت نشأته في مجتمع متماسك ملتزم بالقيم والمثل والعادات الكريمة فلما بلغ الثالثة من عمره توفي والده الشيخ عبيد آل عبدالمحسن عام 1351هـ وكان من نهج الأب يرحمه الله كفاية أبنائه المئونة وتفريقهم لطلب العلم الشرعي وحرصه الشديد على اقتناء الكتب وفي ذلك ملحظ أن المترجم له كان يعيش في مناخ علمي وسط أسرة منكبة على العلم انكباب النهم وانشغلوا بالبحث والدرس عن أمور حياتهم وسيطرت المعرفة على عقولهم. وهذا ما دفع أخيه الشيخ عبدالمحسن أن يلحقه في وقت مبكر بمدرسة المعرفة على عقولهم، وهذا ما دفع أخيه الشيخ عبد المحسن أن يلحقه في وقت مبكر بمدرسة المعلم صالح بن محمد الصقعبي وذلك إبان ازدهارها فحفظ القرآن الكريم كاملاً وتعلم الحساب والإملاء، وسائر العلوم الدينية، فلما اشتد عوده التحق بمجلس العلم فظللته أروقة الجامع الكبير ببريدة فقرأ على الشيخ عبدالعزيز العبادي مختصرات الإمام محمد بن عبدالوهاب - يرحمه الله - وزوائد الكافي والمحور لابن عبيدان ومنحة الأعراب للحريري، فلما توفي الشيخ العبادي قام برثائه بنظم يعكس عمق الصلة بين التلميذ وشيخه ثم استمر في التحصيل العلمي والتحق بحلقة الشيخ محمد الصالح المطوع فقرأ عليه مجموعة التوحيد ومجمةعة الحديث وبعض ردود أئمة الدعوة النجدية، كذلك قرأ على أخيه عبدالمحسن العبيد بعض المصنفات العلمية، وكان يمتهن حبك الكتب وتجليدها فكان بارعاً ومتميزاً في هذه المهنة فعندما يحبك الكتاب يضع عليه نوع من القماش ويجلد أطرافه بالجلد الأصلي وفي فترة من الفترات قام بتجليد المتمزق من كتب مكتبة بريدة العامة مما مكنه من استماع بعض المطارحات العلمية في هذه المكتبة إبان وجود الشيخ عبدالله بن حميد في بريدة، وكان حافظاً للقرآن الكريم حفظاً تاماً وله قدرة عجيبة في استحضار الآيات المتشابهات في القرآن الكريم، أن من يتأمل حياة الفقيد وسيرته المباركة التي تجاوزت ثمانية عقود يجدها زاخرة بمآثر عظيمة وسجايا جليلة كريمة في ساحات العلم وميادين الخير فإنه وإن وورى بالتراب وتوارى عنا بالحجاب فقد بقي له ذكر حسن وسيرةعطرة وما هذه الأسطر المتواضعة إلا كلمة حق ووفاء اسأل الله بلطفه ومنه وجوده وكرمه أن ينزله منازل الشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبدالملك بن عبدالوهاب البريدي
مدير دار النفائس والمخطوطات ببريدة