|
يقول الأمير خالد الفيصل في كتابه الجديد «كلمات»:
أجمل الكلمات
أقلها حروفاً
وأبلغ الجمل
أقلها كلمات
وكتاب «كلمات» للأمير خالد الفيصل تضمن العديد من الكلمات الجميلة..
وهنا نقتطف هذه الكلمات التي كتبها الأمير خالد الفيصل:
بالعلم لا بالجهل
قد يحتجب قرص الشمس خلف السحاب.. أو الضباب.. أو حتى بفعل عاصفة التراب.. أو بالتواتر بين الجديدين: الليل والنهار.. لكن هذا لا يعني أبداً سرمدية الظلام -ولو شاء الله جل وعلا لفعل- فالشمس تشرق دائماً من جديد.. لتملأ الكون نوراً.
وكذا شأن الحقيقة، قد يسترها عن أبصارنا عجاج الأحداث، أو تحجبها عن بصائرنا غشاوات الرؤية، لكن هذا لا يعني (أبداً) ديمومة الضلال، فالحقيقة (دائماً) تفرض نفسها بالبرهان، وفي النهاية.. لا يصح إلا الصحيح، ولست أزعم أنني فقيه أو مؤرخ يقدم علماً قطعياً لا مجال فيه للظن، وإنما اجتهادي المتواضع ينطلق من شعوري بأن من حق كل إنسان مخلص بل ومن واجبه أن يطرح ما لديه من رؤى يعتقد أنها تحقق المصلحة العامة للأمة، وأعني بذلك حركتها الإيجابية المؤثرة المهتدية بمنارة العقيدة الإسلامية التي ارتضتها عماداً لوجودها و»الحكمة ضالة المؤمن».
وما دمنا نبحث عن الحكمة والحقيقة، فلنعد بالذاكرة التاريخية إلى الوراء، وعلى قاعدة أن الأشياء إنما تعرف بأضدادها، نتتبع أسباب ازدهار الحضارة العربية الإسلامية السابقة، لعلها تقودنا إلى أسباب انحسارها اليوم، ولسوف نجد أن العلم هو المكون الأساس لتلك الحضارة، والسبب الرئيسي في انتشارها الواسع الذي كاد أن يشمل الدنيا بكل أقطارها.
ولقد ابتدأ دستورنا (القرآن الكريم) بكلمة «اقرأ» وهذا أول أمر إلهي ينزل به أمين الوحي جبريل على أمين الأمة، مما يعظم قيمة هذا الأمر.
الفراغ المعرفي
المتأمل في حكمة الخالق -جل وعلا- يرى أنها اقتضت أن يكون الناس على ألسنة شتى، تختلف لغتها من شعب لآخر {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ...} وهي -في الوقت ذاته- تحث الناس على التواصل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...} ومن الطبيعي أن هذا لا يتحقق إلا إذا تعارفت الشعوب على لغات بعضها البعض، وتناقلت الثقافات المتعددة بين الكيانات الإنسانية من خلال حركة الترجمة المتبادلة.
ولقد أدرك أسلافنا -في عصر الازدهار- هذه الحقيقة فقامت حركة ترجمة نشطة، أُجزل فيها العطاء للمترجمين، وأفاد منها كثيراً علماؤنا الأوائل، فيما أنجزوه من كشوفات علمية، وأفكار إنسانية.
وفيما يؤكد نظرية تلاقح الحضارات من أجل حضارة إنسانية واحدة، عودة الإنسانية لتستفيد من إنجازات علمائنا أولئك، حيث التقطها الغرب بالبحث والتطوير، حتى وصل إلى ما هو عليه الآن.
وفي المقابل.. وضمن حالة التراجع العربي العام والتقوقع والانعزالية، تراجع الاهتمام بالترجمة -مع الأسف- تراجعاً شديداً، حتى صار إنتاجنا -كماً وكيفاً- لا يكاد يذكر مقارنة بغيرنا من الأمم، وظل معظمه قاصراً على بعض الإبداعات الأدبية من وإلى العربية.
وبزعمي أن أحد أهم الأسباب التي ساعدت على ترويج الصورة المشوهة عن العرب والمسلمين -خاصة بعد أحداث سبتمبر- يعزي إلى ذلك الفراغ المعرفي الهائل لدى الغير عنا، بسبب عدم توافر فكرنا مترجماً في كتب ورقية وإلكترونياً على أرفف مكتبات العالم.
قمة التفرّد في التجربة السعودية
هذا الكتاب يحاول أن يرد على سؤال هام: لماذا كانت تجربة التنمية في المملكة العربية السعودية متفردة؟
وقد يُقال: وما سر هذا التفرد، وكل المجتمعات تنمو، وتتطور من حولنا؟!
وأقول: إن التحول المادي في التجربة السعودية قد يتشابه مع غيره في العديد من أنحاء العالم، فكم من (الصحارى) هنا وهنا تحولت إلى درجة عالية من الحضارة المادية.
وعلى الرغم من هذا التشابه بين التجربة السعودية وغيرها، في جانب واحد يتعلق بالنمو المادي فحسب، فإني أزعم باطمئنان تام أن هناك جوانب أخرى كثيرة مهمة تؤكد ما ذهبت إليه من خصوصية التجربة هنا وتفردها:
1 - ثبات منهجة التنمية طوال فترة التجربة على المبادئ الأساسية، التي وضعها الملك الصالح المصلح عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- طبقاً للشريعة الإسلامية، والتزمها أبناؤها من بعده، واجتهاداتهم المخلصة والمبدعة في التوجيه والتخطيط، وصدق عزائمهم لنهضة الأمة، وعلو هِمَمِهمْ لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن.
وهذه هي قمة التفرد في التجربة السعودية، التي جنبتها ما أصاب غيرها من تيارات عاصفة هبت عليها طبقاً لأهواء قياداتها المتتابعة، وغلبت بعضها المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وأضاع البعض الآخر الجهد والمال والوقت في التجريب العشوائي المتقلب.
2 - التفاعل المثالي بين المواطن والمسؤول هنا زعزع النظرية التي تقول: إن مواطني المناطق النامية دائماً يشكلون حجر عثرة في طريق تنمية مجتمعهم.
ذلك أن المواطن الذي عاش هنا من قبل حياة رتيبة بما لديه من إمكانات متواضعة مفتقدة دافع الحركة، كانت تكمن في داخله طاقات هائلة تنتظر المثير.
وبمجرد أن شعر هذا المواطن بمصداقية التجربة التنموية، ظهر معدنه الأصيل ونهض واثقاً من نفسه معتزاً بمنطقته، حريصاً على مشروعاتها، وعلى تنميتها.