لو افترضنا جدلاً أن المجتمع الخليجي بطبقاته المتباينة، الثرية والمتوسطة، ودون ذلك، أضحت في وضع لا يسمح لها باستخدام عمالة منزلية سواء محلية أو غير محلية من سائقين وخدم وطباخين، وغيرهم، فماذا سيترتب على مثل ذلك اقتصادياً واجتماعياً، ونمط معيشي؟
لا بد لمثل ذلك أن يغير كثيراً من العادات السائدة في الوقت الحاضر، بل ربما يغير الكثير من الروابط الأسرية، والتعاملات الزوجية، وتربية النشء وغير ذلك من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية.
ففي المنزل قد تلجأ الأسرة إلى استخدام الصحون والشوك والملاعق المصنوعة من الكرتون والتي تستخدم لمرة واحدة، حتى لا يكون تنظيف تلك الأدوات عبئاً على سيدة وسيد المنزل كما أن الأسرة ستعمد إلى استهلاك المواد الغذائية الجاهزة والمبردة، حيث تقوم بتسخينها واستهلاكها، وكذلك ستلجأ إلى سد حاجتها من الغذاء من خلال خدمات المطاعم التي توصل المأكل إلى المنازل، كما أنها ستعمد إلى توفير ما طاب لها من فواكه، وسلطات، وبسكوت، وأيضاً ستخزن بعضاً من الخبز في الثلاجات وتسخينه عند الحاجة، كما كان يستخدمه بعض الطلبة في الخارج.
أما فيما يخص الدعوات وإقامة الولائم فسوف تقل بنسبة كبيرة، وسيقام جلها في المطاعم بدلاً من المنازل، وربما تقتصر تلك اللقاءات على أيام نهاية الأسبوع لانشغال الأسرة بإدارة المنزل وهمومه.
وسيقل استهلاك الأكلات الشعبية التي تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، وسيتم استبدالها بغيرها من الأكلات السريعة مثل السلطات والبيض.
في مثل ذلك المجتمع الافتراضي، سيشارك الرجل زوجته في تجهيز الطعام، ونظافة المنزل، وتربية الأطفال الذين سيكونون أقل عدداً مما يقلل من معدل النمو السكاني الذي يعتبر من أكبر معدلات النمو في العالم، وفي مثل ذلك التعامل اليومي بين الزوج والزوجة قد ينشأ خصام وجدل بين الزوجين للاشتراك في التفاصيل والتي فيها تكمن المشاكل والاختلافات نظراً للتباين في الرؤى والأفكار.
سيتغير ذلك النمط من السهر المعتاد، وستجد الزوجين والأبناء غارقين في سبات عميق في وقت مبكر من الليل، وسيقومون مبكرين لإيصال أبنائهم إلى المدارس ومن ثم ذهابهم إلى أعمالهم.
ستنتشر الحضانات والروضات، وستكون الرعاية الجماعية للأطفال في الصباح بدلاً من الرعاية المفردة التي تقوم بها المربيات والخادمات مما يؤدي إلى تربية نشء قد ترسخت فيه الكثير من المبادئ الأكثر جودة، وتولدت لديه معارف أكثر تكون عوناً له في دراسته المستقبلية، وستقل الزيارات العائلية، وسيزيد استخدام الاتصال عبر الهاتف الثابت والمتنقل للاطمئنان على الأهل والأصدقاء، لكن عدد ساعات الاتصال بمجملها ستقل وستقل عدد ساعات مشاهدة التلفاز، وربما تقل جلسات لعب الورق لدى الرجال التي لا طائل منها، كا أن ساعات المهاتفة الطويلة لدى النساء، والتي قد لا تخلو من الحديث غير المفيد ستكون أقل.
إن تغيراً كبيراً في نمط الحياة الاجتماعية هذه، سيؤدي إلى تغيرات اقتصادية بنيوية كبيرة، فسوف يضطر ميسورو الحال وغيرهم إلى العيش في منازل صغيرة، لأن المنازل الكبيرة تحتاج إلى خدمات أكبر سيكونون عاجزين عن القيام بها، وسوف تقل عدد السيارات السائرة في الطرقات نظراً لانشغال الناس داخل المنزل، وسيزيد عدد المطاعم وتتنوع، وتتوفر في كل حي وشارع بأعداد كافية.
لا بد أن هذا المجتمع الافتراضي سيجعل الأسرة أقل إنفاقاً مما يوفر لها المزيد من المال، كما أن التنافس في المظاهر سيقل بدرجة معينة، وستقل التحويلات المالية إلى الخارج بدرجة كبيرة جداً، مما يوفر عملة صعبة مفيدة للاقتصاد الوطني، ليعاد استثمارها داخلها في البنية التحتية.
وأخيراً سيقل تعدد الزوجات لأن الرجل لن يكون قادراً على القيام بالمشاركة في أعمال ومهام أكثر من منزل، وسيكون أكثر لطفاً وأكثر عوناً لزوجته التي يفترض أنها ستثمن له ذلك اللطف والعون.
هذا حال مجتمع خليجي افتراضي، لكن الواقع والمستقبل القريب لن يجسد مثل هذا المجتمع لأن الظروف الاجتماعية والاقتصادية لا تسمح بمثله، لكن عرض مثل ذلك يعطي وضعاً لما سيجلب من مصالح ويدرأ من غيرها، ولكل أمة ثقافتها، وقد نكيل النقد لها، لكنه يصعب التخلي عنها.